وقول البراهمة: إن النبي لا يخلو أن يأتي بما يوافق العقل أو بما يخالفه فإن أتى بما يوافقه فالعقل فيه كفاية، وإن أتى بما يخالفه فما يخالف العقل [لا يلتفت إليه لأنه قبيح بالاتفاق. باطل، لأنا نقول: الشرع لا يأتي إلا بما يوافق العقل] 1) على طريق الجملة لا على طريق التفصيل، وتفصيله لا يمكن معرفته بالعقل، فيبعث الله تعالى نبيا ليعرفنا تفصيل ذلك.
فأما ما يعلم مفصلا بالعقل فلا يحتاج إلى بعثة الأنبياء فيه، وإنما قلنا ذلك لأن العقل دال على وجه الجملة على أن ما دعا إلى فعل واجب مثله وما صرف عن قبيح يجب فعله، وما يدعوا إلى قبيح أو إخلال بواجب يجب تجنبه.
وإذا كان هذا معلوما جملة ويحصل ذلك في بعض الأفعال التي لا نعلم بالعقل كونه كذلك ويجب إعلامنا ذلك ولا يتم ذلك إلا ببعثة رسول على ما بيناه.
وإنما يكون منافيا لما في العقل أو نفي السمع ما أثبته العقل أو أثبت ما نفاه والأمر بخلافه.
ومثل ذلك ما نعلمه عقلا وجوب دفع المضار عن النفس وقبح الظلم على طريق الجملة، ثم يرجع في حصول بعض المضار في كثير من الأفعال إلى التجربة والعادات أو إلى الخبر، فلا نكون بذلك مخالفين لما في العقل. وكذلك القول في السمع.
وقولهم: إن الصلاة والصوم والطواف قبائح في العقل، لا يجوز أن يتغير كما لا يجوز أن يتغير قبح الظلم والكذب وغير ذلك. باطل، لأن القبائح في العقل على ضربين: أحدهما لا يجوز تغييره كالظلم والكذب والمفسدة والجهل وغير ذلك، ولا يجوز أن يرد السمع بخلافه. والثاني ما يجوز أن يتغير من حسن إلى قبح ومن قبح إلى حسن كالضرر الذي متى عري من استحقاق نفع أو دفع ضرر كان قبيحا ومتى حصل