الحجة الثالثة: * (القرء) * عبارة عن الجمع، يقال: ما قرأت الناقة نسلا قط، أي ما جمعت في رحمها ولدا قط ومنه قول عمرو بن كلثوم: هجان اللون لم تقرأ جنينا (c) وقال الأخفش يقال: ما قرأت حيضة، أي ما ضمت رحمها على حيضة، وسمي الحوض مقرأة لأنه يجتمع فيه الماء، وأقرأت النجوم إذا اجتمعت للغروب، وسمي القرآن قرآنا لاجتماع حروفه وكلماته ولاجتماع العلوم الكثيرة فيه، وقرأ القارئ أي جمع الحروف بعضها إلى بعض.
إذا ثبت هذا فنقول: وقت اجتماع الدم إنما هو زمان الطهر لأن الدم يجتمع في ذلك الزمان في البدن.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: بل زمان الحيض أولى بهذا الاسم، لأن الدم يجتمع في هذا الزمان في الرحم.
قلنا: الدماء لا تجتمع في الرحم البتة بل تنفصل قطرة قطرة أما وقت الطهر فالكل مجتمع في البدن فكان معنى الاجتماع في وقت الطهر أتم، وتمام التقرير فيه أن اسم القرء لما دل على الاجتماع فأكثر أحوال الرحم اجتماعا واشتمالا في الدم آخر الطهر، إذ لو تمتلئ بذلك الفائض لما سالت إلى الخارج، فمن أولى الطهر يأخذ في الاجتماع والازدياد إلى آخره، والآخر هو حال كمال الاجتماع فكان آخر الطهر هو القرء في الحقيقة وهذا كلام بين.
الحجة الثالثة: أن الأصل أن لا يكون لأحد على أحد من العقلاء المكلفين حق الحبس والمنع من التصرفات تركنا العمل به عند قيام الدليل عليه، وهو أقل ما يسمى بالأقراء الثلاثة وهي الأطهار، لأن الاعتداد بالأطهار أقل زمانا من الاعتداد بالحيض، فلما كان كذلك أثبتنا الأقل ضرورة العمل بهذه الآية وطرحنا الأكثر وفاء بالدلائل الدالة على أن الأصل أن لا يكون لأحد على غيره قدرة الحبس والمنع.
الحجة الرابعة: أن ظاهر قوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * يقتضي أنها إذا اعتدت بثلاثة أشياء تسمى أقراء أن تخرج عن العهدة، وكل واحد من الطهر ومن الحيض يسمى بهذا الاسم، فوجب أن تخرج المرأة عن العهدة بأيهما كان على سبيل التخيير، إلا أنا بينا أن مدة العدة بالأطهار أقل من مدة العدة بالحيض، فعلى هذا تكون المرأة مخيرة بين أن تعتد بالمدة الناقصة أو بالمدة الزائدة، وإذا كان كذلك كانت متمكنة من أن تترك القدر الزائد لا إلى بدل، وكل ما كان كذلك لم يكن واجبا فأذن الاعتداد بالقدر الزائد على مدة الأطهار غير واجب