هو يعطي الجزيل لا يريد الحصر، بل أن يحقق عند السامع أن إعطاء الجزيل دأبه ومثله قوله تعالى: * (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * (النحل: 20) ليس المراد تخصيص المخلوقية وقوله تعالى: * (وإذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) * (المائدة: 61) وقول الشاعر:
هما يلبسان المجد أحسن لبسة * شجيعان ما اسطاعا عليه كلاهما والسبب في حصول هذا المعنى عند تقديم ذكر المبتدأ أنك إذا قلت: عبد الله، فقد أشعرت بأنك تريد الاخبار عنه، فيحصل في العقل شوق إلى معرفة ذلك فإذا ذكرت ذلك الخبر قبله العقل قبول العاشق لمعشوقه، فيكون ذلك أبلغ في التحقيق ونفي الشبهة.
السؤال الرابع: هلا قيل: يتربصن ثلاثة قروء كما قيل: * (تربص أربعة أشهر) * (البقرة: 226) وما الفائدة في ذكر الأنفس.
الجواب: في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن، وذلك لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأراد أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويخبرنها على التربص.
السؤال الخامس: لفظ * (أنفس) * جمع قلة، مع أنهن نفوس كثيرة، والقروء جمع كثرة، فلم ذكر جمع الكثرة مع أن المراد هذه القروء الثلاثة وهي قليلة.
والجواب: أنهم يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في معنى الجمعية، أو لعل القروء كانت أكثر استعمالا في جمع قرء من الإقراء.
السؤال السادس: لم لم يقل: ثلاث قروء، كما يقال: ثلاثة حيض.
الجواب: لأنه أتبع تذكير اللفظ ولفظ القروء مذكر فهذا ما يتعلق بالسؤالات في هذه الآية وبقى من الكلام في هذه الآية مسألة واحدة في حقيقة القروء، فنقول: القروء جمع قرء وقرء، ولا خلاف أن اسم القرء يقع على الحيض والطهر، قال أبو عبيدة: الإقراء من الأضداد في كلام العرب، والمشهور أنه حقيقة فيهما كالشفق اسم للحمرة والبياض جميعا، وقال آخرون إنه حقيقة في الحيض، مجاز في الطهر، ومنهم من عكس الأمر، وقال قائلون: إنه موضوع بحيثية معنى واحد مشترك بين الحيض والطهر، والقائلون بهذا القول اختلفوا على ثلاثة أقوال فالأول: أن القرء هو الاجتماع، ثم في وقت الحيض يجتمع الدم في الرحم، وفي وقت الطهر يجتمع الدم في البدن، وهو قول الأصمعي والأخفش والفراء والكسائي.
والقول الثاني: وهو قول أبي عبيد: أنه عبارة عن الانتقال من حالة إلى حالة.