والقول الثالث: وهو قول أبي عمرو بن العلاء: أن القرء هو الوقت، يقال: أقرأت النجوم إذا طلعت، وأقرأت إذا أفلت، ويقال: هذا قارئ الرياح لوقت هبوبها، وأنشدوا للهذلي: إذا هبت لقارئها الرياح وإذا ثبت أن القرء هو الوقت دخل فيه الحيض والطهر، لأن لكل واحد منهما وقتا معينا، واعلم أنه تعالى أمر المطلقة أن تعتد بثلاثة قروء، والظاهر يقتضي أنها إذا اعتدت بثلاثة أشياء تسمى ثلاثة أقراء إن تخرج عن عهدة التكليف، إلا أن العلماء أجمعوا على أنه لا يكفي ذلك، بل عليها أن تعتد بثلاثة أقراء من أحد الجنسين، واختلفوا فيه فمذهب الشافعي رضي الله عنه أنها الأطهار، روى ذلك عن ابن عمر، وزيد، وعائشة، والفقهاء السبعة، ومالك، وربيعة، وأحمد رضي الله عنهم في رواية، وقال علي وعمر وابن مسعود هي الحيض، وهو قول أبي حنيفة، والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وإسحاق رضي الله عنهم، وفائدة الخلاف أن مدة العدة عند الشافعي أقصر، وعندهم أطول، حتى لو طلقها في حال الطهر يحسب بقية الطهر قرءا وإن حاضت عقيبه في الحال، فإذا شرعت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه ما لم تطهر من الحيضة الثالثة إن كان الطلاق في حال الطهر، ومن الحيضة الرابعة إن كان في حال الحيض لا يحكم بانقضاء عدتها، ثم قال إذا طهرت لأكثر الحيض تنقضي عدتها قبل الغسل وإن طهرت لأقل الحيض لم تنقض عدتها حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء، أو يمضي عليها وقت صلاة، حجة الشافعي من وجوه:
الحجة الأولى: قوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * (الطلاق: 1) ومعناه في وقت عدتهن، لكن الطلاق في زمان الحيض منهي عنه فوجب أن يكون زمان العدة غير زمان الحيض، أجاب صاحب " الكشاف " عنه فقال بمعنى مستقبلات لعدتهن، كما يقول لثلاث بقين من الشهر، يريد مستقبلا لثلاث، وأقول هذا الكلام يقوى استدلال الشافعي رضي الله عنه لأن قول القائل لثلاث بقين من الشهر معناه لزمان يقع الشروع في الثلاث عقيبه، فكذا ههنا قوله: * (فطلقوهن لعدتهن) * معناه طلقوهن بحيث يحصل الشروع في العدة عقيبه، ولما كان الأمر حاصلا بالتطليق في جميع زمان الطهر وجب أن يكون الطهر الحاصل عقيب زمان التطليق من العدة، وذلك هو المطلوب.
الحجة الثانية: ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: هل تدرون الأقراء؟ الأقراء الأطهار، ثم قال الشافعي رضي الله عنه: والنساء بهذا أعلم، لأن هذا إنما يبتلي به النساء.