يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) *.
اعلم أن هذا هو الحكم الرابع من أحكام الطلاق وهو بيان الخلع، واعلم أنه تعالى لما أمر أن يكون التسريح مقرونا بالإحسان، بين في هذه الآية أن من جملة الإحسان أنه إذا طلقها لا يأخذ منها شيئا من الذي أعطاها من المهر والثياب وسائر ما تفضل به عليها، وذلك لأنه ملك بضعها، واستمتع بها في مقابلة ما أعطاها، فلا يجوز أن يأخذ منها شيئا، ويدل في هذا النهي أن يضيق عليها ليلجئها إلى الافتداء، كما قال في سورة النساء: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * (النساء: 19 خ وقوله ههنا: * (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) * هو كقوله هناك: * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * فثبت أن الإتيان بالفاحشة المبينة قد يكون بالبذاء وسوء الخلق، ونظيره قوله تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * (الطلاق: 1) فقيل المراد من الفاحشة المبينة البذاء على أحمائها وقال أيضا: * (فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) * (النساء: 20) فعظم في أخذ شيء من ذلك بعد الإفضاء.
فإن قيل: لمن الخطاب في قوله: * (ولا يحل لكم أن تأخذوا) * فإن كان للأزواج لم يطابقه قوله: * (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله) * وإن قلت للأئمة والحكام فهؤلاء لا يأخذون منهن شيئا. قلنا: الأمران جائزان فيجوز أن يكون أول الآية خطابا للأزواج وآخرها خطابا للأئمة والحكام، وذلك غير غريب في القرآن، ويجوز أن يكون الخطاب كله للأئمة والحكام، لأنهم هم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم هم الآخذون والمؤتون.
أما قوله تعالى: * (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) * فاعلم أنه تعالى لما منع الرجل أن يأخذ من امرأته عند الطلاق شيئا استثنى هذه الصورة وهي مسألة الخلع وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: روي أن هذه الآية نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه أشد البغض، وكان يحبها أشد الحب، فأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: فرق بيني وبينه فإني أبغضه، ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجيء في أقوام فكان أقصرهم قامة، وأقبحهم وجها، وأشدهم سوادا، وإني أكره الكفر بعد الإسلام، فقال ثابت: يا رسول الله مرها فلترد علي الحديقة التي أعطيتها، فقال لها: ما تقولين؟ قالت: نعم وأزيده فقال صلى الله عليه وسلم: * (لا حديقته فقط، ثم قال لثابت: خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها