بد وأن يعلمه الله تعالى كيفية الحكم والقضاء وخامسها: الألحان الطيبة، ولا يبعد حمل اللفظ على الكل.
فإن قيل: إنه تعالى لما ذكر إنه آتاه الحكمة، وكان المراد بالحكمة النبوة، فقد دخل العلم في ذلك، فلم ذكر بعده * (علمه مما يشاء) *.
قلنا: المقصود منه التنبيه على أن العبد قط لا ينتهي إلى حالة يستغني عن التعلم، سواء كان نبيا أو لم يكن، ولهذا السبب قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (وقل رب زدني علما) * (طه: 114) ثم قال تعالى: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) *.
اعلم أنه تعالى لما بين أن الفساد الواقع بجالوت وجنوده زال بما كان من طالوت وجنوده، وبما كان من داود من قتل جالوت بين عقيب ذلك جملة تشتمل كل تفصيل في هذا الباب، وهو أنه تعالى يدفع الناس بعضهم ببعض لكي لا تفسد الأرض، فقال: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) * وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو * (ولولا دفع الله) * (البقرة: 25) بغير ألف، وكذلك في سورة الحج * (ولولا دفع الله) * وقرآ جميعا * (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) * (الحج: 38) بغير ألف ووافقهما عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر اليحصبي على دفع الله بغير ألف إلا أنهم قرؤا * (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) * بالألف، وقرأ نافع * (ولولا دفاع الله) * و * (إن الله يدافع) * بالألف.
إذا عرفت هذه الروايات فنقول: أما من قرأ: * (ولولا دفع الله) *، * (إن الله يدفع) * فوجهه ظاهر، وأما من قرأ: * (ولولا دفاع الله) *، * (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) * فوجه الإشكال فيه أن المدافعة مفاعلة، وهي عبارة عن كون كل واحد من المدافعين دافعا لصاحبه ومانعا له من فعله، وذلك من العبد في حق الله تعالى محال، وجوابه أن لأهل اللغة في لفظ دفاع قولين أحدهما: أنه مصدر لدفع، تقول: دفعته دفعا ودفاعا، كما تقول: كتبته كتبا وكتابا، قالوا: وفعال كثيرا يجيء مصدرا للثلاثي من فعل وفعل، تقول: جمح جماحا، وطمح طماحا، وتقول: لقيته لقاء، وقمت قياما، وعلى هذا التأويل كان قوله: * (ولولا دفاع الله) * معناه ولولا دفع الله.
والقول الثاني: قول من جعل دفاع من دافع، فالمعنى أنه سبحانه إنما يكف الظلمة والعصاة عن ظلم المؤمنين على أيدي أنبيائه ورسله وأئمة دينه وكان يقع بين أولئك المحقين وأولئك المبطلين مدافعات ومكافحات، فحسن الإخبار عنه بلفظ المدافعة، كما قال: * (يحاربون الله ورسوله) * (المائدة: 33)، * (وشاقوا الله) * (الأنفال: 13) وكما قال: * (قاتلهم الله) * (التوبة: 30) ونظائره والله أعلم.