المسألة الأولى: * (السكينة) * فعيلة من السكون، وهو ضد الحركة وهي مصدر وقع موقع الاسم، نحو: القضية والبقية والعزيمة.
المسألة الثانية: اختلفوا في السكينة، وضبط الأقوال فيها أن نقول: المراد بالسكينة إما أن يقال إنه كان شيئا حاصلا في التابوت أو ما كان كذلك.
والقسم الثاني: هو قول أبي بكر الأصم، فإنه قال: * (آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم) * أي تسكنون عند مجيئه وتقرون له بالملك، وتزول نفرتكم عنه، لأنه متى جاءهم التابوت من السماء وشاهدوا تلك الحالة فلا بد وأن تسكن قلوبهم إليه وتزول نفرتهم بالكلية.
وأما القسم الأول: وهو أن المراد من السكينة شيء كان موضوعا في التابوت، وعلى هذا ففيه أقوال الأول: وهو قول أبي مسلم أنه كان في التابوت بشارات من كتب الله تعالى المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء عليهم السلام، بأن الله ينصر طالوت وجنوده، ويزيل خوف العدو عنهم الثاني: وهو قول علي عليه السلام: كان لها وجه كوجه الإنسان، وكان لها ريح هفافة والثالث: قول ابن عباس رضي الله عنهما: هي صورة من زبرجد أو ياقوت لها رأس كرأس الهر، وذنب كذنبه، فإذا صاحت كصياح الهر ذهب التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا وقف وقفوا ونزل النصر.
القول الرابع: وهو قول عمرو بن عبيد: إن السكينة التي كانت في التابوت شيء لا يعلم.
واعلم أن السكينة عبارة عن الثبات والأمن، وهو كقوله في قصة الغار: * (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) * (الفتح: 26) فكذا قوله تعالى: * (فيه سكينة من ربكم) * معناه الأمن والسكون.
واحتج القائلون بأنه حصل في التابوت شيء بوجهين الأول: أن قوله: * (فيه سكينة) * يدل على كون التابوت ظرفا للسكينة والثاني: وهو أنه عطف عليه قوله: * (وبقية مما ترك آل موسى) * فكما أن التابوت كان ظرفا للبقية وجب أن يكون ظرفا للسكينة.
والجواب عن الأول: أن كلمة * (في) * كما تكون للظرفية فقد تكون للسببية قال عليه الصلاة والسلام: " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وقال: " في خمس من الإبل شاة " أي بسببه فقوله في هذه الآية: * (فيه سكينة) * أي بسببه تحصل السكينة.
والجواب عن الثاني: لا يبعد أن يكون المراد بقية مما ترك آل موسى وآل هارون من الدين والشريعة، والمعنى أن بسبب هذا التابوت ينتظم أمر ما بقي من دينهما وشريعتهما.