وهميين بينهم وبين الله تعالى، وزعموا لهؤلاء الوسطاء الذين تخيلوهم قدرة على النفع والضر، فجسدوهم في أصنام من الحجارة، وأشركوا هذه الأصنام مع الله في العبادة، والدعاء حتى تطورت فكرة الوساطة في أذهانهم إلى الاعتقاد بالوهية الوسطاء، ومشاركة تلك الأصنام لله في تدبير الكون:
﴿الا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون...﴾ (1).
وكادت تمحى بعد ذلك فكرة التمييز بين الوسطاء والله تعالى، وسادت الوثنية بأبشع أشكالها، وانغمس العرب في الشرك وعبادة الأصنام، وتأليهها، فكان لكل قبيلة أو مدينة صنم خاص، بل كان لكل بيت صنم خصوصي، فقد قال الكلبي:
" كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضا " (2)، وقد كان في جوف الكعبة وفي فنائها ثلاثمائة وستون صنما.
وأدى الامر بالعرب إلى تقديس الحجارة بصورة عامة، وإسباغ الطابع الإلهي عليها، ففي صحيح البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: " كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الاخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به " (3)، وقال الكلبي: " كان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربا