وما من ريب في أن عبادة الأصنام، والاحساس بالعبودية والذلة بين يديها، والسجود أمامها، كل ذلك يترك في النفس من الآثار الروحية والفكرية ما يفقد الانسان كرامته، ويجمد فيه طاقاته المتنوعة، ويجعله أقرب للخضوع والخنوع والاستسلام، لكل قوة أو قوى ما دام يستسلم لأخس الكائنات وأتفهها.
ولم يكن وضع العقيدة والعبادة، في سائر ارجاء العالم أحسن حالا منه في بلاد العرب، لان الوثنية بمختلف اشكالها كانت هي المسيطرة، اما بصورة صريحة، كما في الهند والصين وإيران، أو بصورة مبطنة، كما في أوروبا المسيحية التي تسللت فيها وثنية الرومان إلى النصرانية وشوهت معالمها.
والعبادة للأصنام، أو للملوك، ولأرباب الأديان، كانت في كل مكان فلا تجد الا انسانا يعبد نظيره أو ما هو أخس منه من الكائنات، أو انسانا يزعم لنفسه العبادة والحق الإلهي في الطاعة والسيادة.
في هذا الجو الوثني المسعور جاء القرآن الكريم ليرتفع بالانسان من الحضيض الذي هوى إليه، ويحرره من أسر الوثنية ومهانتها، ومختلف العبوديات المزيفة التي مني بها، ويركز بدلا منها فكرة العبودية المخلصة لله وحده لا شريك له، ويعيد للانسان إيمانه بكرامته وربه.
فانظروا إلى هذه النصوص القرآنية التالية لتجدوا كيف يؤكد القرآن فكرة العبادة لله وحده، ويهيب بالانسان إلى التحرر من كل عبادة سواها:
﴿يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره ان الله لقوي عزيز﴾ (1).
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به