والرأي الثاني: الرأي الذي سار عليه الخلف من المحققين وعلماء الاسلام الذين بذلوا جهدهم في دراسة القرآن والتعرف على مقاصده، حيث يرون أن هذه القصة بمواقفها المختلفة انما جاءت على شكل التمثيل ومحاولة تقريب النشأة الادمية الانسانية وأهميتها وفضيلتها، وأن جميع المواقف والمفاهيم التي جاءت فيها يمكن تحديد المعاني والأهداف التي قصدت منها.
فالرأي الأول والثاني وان كانا يلتقيان في حقيقة تنزيه الله سبحانه وتعالى وعالم الغيب عن مشابهة المخلوقات المادية المحسوسة في هذه المواقف المختلفة، وكادا يتفقان أيضا في الاهداف والغايات العامة المقصودة من هذا المقطع القرآني ولكنهما مع ذلك يختلفان في امكانية تحديد بعض المفاهيم التي وردت في المقطع، كما سوف يتضح ذلك عند معالجتنا للمقطع القرآني من جانبه الاخر.
وفيما يتعلق بالجانب الثاني نجد السلف انسجاما مع موقفهم في الجانب الأول يقفون من دراسة المقطع موقفا سلبيا، ويكتفون - في بعض حالات الانفتاح - بذكر الفوائد الدينية التي تترتب على ذكر القرآن لهذا المقطع القرآني (المتشابه).
وقد أشار الشيخ محمد عبدة إلى بعض هذه الفوائد، ونكتفي بذكر فائدتين منها:
الأولى: أن الله سبحانه وتعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده ان يسألوه عن حكمته في صنعه وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه.
الثانية: أن الله سبحانه لطيف بعباده رحيم بهم، يعمل على معالجتهم بوجوه اللطف والرحمة، فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ويجيبهم عن سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجة بعد أن يرشدهم إلى واجبهم من الخضوع والتسليم:
﴿... اني اعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة...﴾ (1).
واما الخلف فقد حاولوا ايضاح المفاهيم التي وردت في هذا المقطع القرآني