ولقد بحثنا بصورة مفصلة في بداية سورة البقرة، وآل عمران والأعراف التفاسير المختلفة لهذه الحروف. والبحث الذي جاء بعد هذه الحروف مباشرة حول أهمية القرآن يبين مرة أخرى هذه الحقيقة، وهي أن ألم إشارة إلى عظمة القرآن، والقدرة على إظهار عظمة الله سبحانه، وهذا الكتاب العظيم الغني المحتوى، والذي هو معجزة محمد (صلى الله عليه وآله) الخالدة يتكون من حروف المعجم البسيطة التي يعرفها الجميع.
تقول الآية: تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (1). هذه الآية - في الواقع - جواب عن سؤالين: الأول عن محتوى هذا الكتاب السماوي، فتقول في الجواب: إن محتواه حق ولا مجال لأدنى شك فيه. والسؤال الثاني يدور حول مبدع هذا الكتاب، وفي الجواب تقول: إن هذا الكتاب من قبل رب العالمين.
ويحتمل في التفسير أيضا أن جملة من رب العالمين جاءت دليلا وبرهانا لجملة لا ريب فيه، فكأن سائلا يسأل: ما هو الدليل على أن هذا الكتاب حق، ولا مجال للشك فيه؟ فتقول: الدليل هو أنه من رب العالمين الذي يصدر منه كل حق وحقيقة.
ثم إن التأكيد على صفة رب العالمين من بين صفات الله سبحانه قد يكون إشارة إلى أن هذا الكتاب مجموعة من عجائب عالم الخلقة، وعصارة حقائق عالم الوجود، لأنه من رب العالمين.
وينبغي الالتفات أيضا إلى أن القرآن لا يريد هنا الاكتفاء بالادعاء الصرف، بل يريد أن يقول: إن الشئ الظاهر للعيان لا يحتاج إلى البيان، فإن محتوى هذا