أخيرا، ثم يغمضون عيونهم ويسيرون باتجاه مستقبل مظلم موحش.
جملة حيل بينهم وبين ما يشتهون، فسرت بتفسيرين:
الأول: هو ما عرضناه سابقا.
الثاني: أنه حيل بينهم وبين رغبتهم في الإيمان وجبران ما فاتهم.. غير أن التفسير الأول ينسجم أكثر مع جملة ما يشتهون.
فضلا عن أن جملة أنى لهم التناوش من مكان بعيد قد تعرضت إلى قضية عدم تمكنهم من الإيمان عند الموت وعذاب الاستئصال كما ذكرنا، فلا يبدو أن هناك داعيا للتكرار.
من الجدير بالذكر أيضا أن كثيرا من مفسري هذه الآية اعتبروا هذه الآيات مما يخص الحديث في عقوبات الآخرة وندامة المسيئين في المحشر، ولكن الآية الأخيرة وبالأخص جملة كما فعل بأشياعهم من قبل لا تنسجم مع هذا المعنى، بل إن المقصود هو لحظة الموت ومشاهدة عذاب الفناء.
وما أجمل ما يقول أمير المؤمنين علي (عليه أفضل الصلاة والسلام) حينما يصوغ بكلماته النورانية وصفا للحظات فراق الروح لعالم الدنيا، ومفارقة نعمها:
" اجتمعت عليهم سكرة الموت، وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم وتغيرت لها ألوانهم!
ثم زاد الموت فيهم ولوجا، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله، ينظر ببصره ويسمع باذنه...
يفكر فيم أفنى عمره؟ وفيم أذهب دهره؟ ويتذكر أموالا جمعها، أغمض في مطالبها، وأخذها من مصرحاتها ومشبهاتها!...
فهو يعض يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها