السماوية، ولديهم استعداد أكثر للتعامل المنطقي، إذ ينبغي أن يكلم كل شخص بمقدار علمه وعقله وأخلاقه.
فيقول القرآن في هذا الصدد: لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن (1).
" تجادلوا " مشتق من " جدال " ومعناه في الأصل فتل الحبل وإحكامه، كما تستعمل هذه المفردة في البناء المحكم وما أشبهه، وحين يتناقش اثنان في بحث معين فكل واحد منهما - في الحقيقة - يريد أن يلوي صاحبه عن عقيدته وفكرته.. لذا فقد سمي هذا النقاش جدالا. كما يرد هذا التعبير في النزاع أيضا، وعلى كل حال فإنه المراد من قوله ولا تجادلوا المناقشات المنطقية.
والتعبير ب التي هي أحسن تعبير جامع يشمل الأساليب والطرق الصحيحة والمناسبة للتباحث أجمع، سواء كان ذلك في الألفاظ أو المحتوى، وسواء كان في طريقة الكلام، أو الحركات والإشارات المصاحبة له.
فعلى هذا يكون مفهوم الجملة المتقدمة: إن ألفاظكم ينبغي أن تكون بطريقة مؤدبة، والكلام ذا مودة، والمحتوى مستدلا، وصوتكم هادئا غير خشن، ولا متجاوزا لحدود الأخلاق أو لهتك الحرمة، وكذلك بالنسبة لحركات الأيدي والعيون والحواجب التي تكمل البيان، ينبغي أن تكون هذه الحركات ضمن هذه الطريقة المؤدبة... وكم هو جميل هذا التعبير القرآني، إذ أوجز عالما من المعاني الدقيقة في جملة قصيرة.
كل هذه الأمور لأجل أن الهدف من وراء النقاش والبحث ليس هو طلب التفوق ودحر الطرف الآخر، بل الهدف أن يكون الكلام حتى ينفذ في القلب وفي أعماق الطرف الآخر... وخير السبل للوصول إلى هذا الهدف هو هذا الأسلوب القرآني.