أجاب عنها المسلمون بما لا يرجع في الحقيقة إلا إلى التأويلات التي يحترزها الكلام الجاري على سنن الاستقامة وارتضاء الفطرة السليمة.
قلت: ما أشير إليه من المناقضات والاشكالات موجودة في كتب التفسير وغيرها مع أجوبتها ومنها هذا الكتاب، فالاشكال أقرب إلى الدعوى الخالية عن البيان.
ولا تكاد تجد في هذه المؤلفات التي ذكرها المستشكل شبهة أوردوها أو مناقضة أخذوها الا وهي مذكور في مسفورات المفسرين مع أجوبتها فأخذوا الاشكالات وجمعوها ورتبوها وتركوا الأجوبة وأهملوها، ونعم ما قيل: لو كانت عين الحب متهمة فعين البغض أولى بالتهمة.
فان قلت: فما تقول في النسخ الواقع في القرآن وقد نص عليه القرآن نفسه في قوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) البقرة - 106 وقوله: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل) النحل - 101، وهل النسخ إلا اختلاف في النظر لو سلمنا أنه ليس من قبيل المناقضة في القول؟.
قلت: النسخ كما أنه ليس من المناقضة في القول وهو ظاهر كذلك ليس من قبيل الاختلاف في النظر والحكم وانما هو ناش من الاختلاف في المصداق من حيث قبوله انطباق الحكم يوما لوجود مصلحته فيه وعدم قبوله الانطباق يوما آخر لتبدل المصلحة من مصلحة أخرى توجب حكما آخر، ومن أوضع الشهود على هذا أن الآيات المنسوخة الاحكام في القرآن مقترنة بقرائن لفظية تومي إلى أن الحكم المذكور في الآية سينسخ كقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) النساء - 14، (انظر إلى التلويح الذي تعطيه الجملة الأخيرة)، وكقوله تعالى:
(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا) إلى أن قال (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) البقرة - 109، حيث تمم الكلام بما يشعر بأن الحكم مؤجل.