أما أن اتباع الدين تقليد فيبطله: أن الدين مجموع مركب من معارف المبدء و المعاد، ومن قوانين اجتماعية من العبادات والمعاملات مأخوذه من طريق الوحي والنبوة الثابت صدقه بالبرهان والمجموعة من الاخبار التي أخبر بها الصادق صادقة واتباعها اتباع للعلم لأن المفروض العلم بصدق مخبرها بالبرهان، وقد مر في البحث التالي لقوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) البقرة - 67، كلام في التقليد فارجع.
ومن العجيب أن هذا القول قول من ليس بيده في أصول الحياة وسنن الاجتماع:
من مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه ومسكنه وغير ذلك إلا التقليد على العمى واتباع الهوى من غير تثبت وتبين، نعم اختلقوا للتقليد اسما آخر وهو اتباع السنة الذي ترتضيه الدنيا الراقية فصار التقليد بذلك ممحو الاسم ثابت الرسم، مهجور اللفظ، مأنوس المعني، وكان (ألق دلوك في الدلاء) شعارا علميا ورقيا مدنيا وعاد (ولا تتبع الهوى فيضلك) تقليدا دينيا وقولا خرافيا.
وأما تقسيمهم سير الحياة الانسانية إلى أربعة عهود فما بأيدينا من تاريخ الدين والفلسفة يكذبه فإن طلوع دين إبراهيم إنما كان بعد عهد الفلسفة بالهند ومصر وكلدان ودين عيسى بعد فلسفة يونان وكذا دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الاسلام - كان بعد فلسفة يونان وإسكندرية، وبالجملة غاية أوج الفلسفة كانت قبل بلوغ الدين أوجه.
وقد مر فيما مر أن دين التوحيد يتقدم في عهده على جميع الأديان الاخر.
والذي يرتضيه القرآن من تقسيم تاريخ الانسان هو تقسيمه إلى عهد السذاجة ووحدة الأمم وعهد الحس والمادة، وسيجئ بيانه في الكلام على قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين) البقرة - 213.
يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون - 172. إنما حرم عليكم الميتة والدم