القصوى من كمالهم، واشتد بأسهم وطابت نفسهم، وهو الايمان بأن القتيل منهم غير ميت ولا فقيد، وأن سعيهم بالمال والنفس غير ضائع ولا باطل، فإن قتلوا عدوهم فهم على الحياة، وقد أبادوا عدوهم وما كان يريده من حكومة الجور والباطل عليهم - وإن قتلهم عدوهم فهم على الحياة - ولم يتحكم الجور والباطل عليهم، فلهم إحدى الحسنيين على أي حال.
وعامة الشدائد التي يأتي بها هو الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس فذكرها الله تعالى، وأما الثمرات فالظاهر أنها الأولاد فإن تأثير الحرب في قلة النسل بموت الرجال والشبان أظهر من تأثيره في نقص ثمرات الأشجار، وربما قيل: إن المراد ثمرات النخيل، وهي التمر والمراد بالأموال غيرها وهي الدواب من الإبل والغنم.
قوله تعالى: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون، أعاد ذكر الصابرين ليبشرهم اولا، ويبين كيفية الصبر بتعليم ما هو الصبر الجميل ثانيا، ويظهر به حق الامر الذي يقضي بوجوب الصبر وهو ملكه تعالى للانسان - ثالثا، ويبين جزائه العام - وهو الصلاة والرحمة والاهتداء - رابعا، فأمر تعالى نبيه اولا بتبشيرهم، ولم يذكر متعلق البشارة لتفخيم امره فإنها من الله سبحانه فلا تكون الا خيرا وجميلا، وقد ضمنها رب العزة، ثم بين ان الصابرين هم الذين يقولون: كذا وكذا عند إصابة المصيبة وهي الواقعة التي تصيب الانسان، ولا يستعمل لفظ المصيبة الا في النازلة المكروهة، ومن المعلوم ان ليس المراد بالقول مجرد التلفظ بالجملة من غير حضور معناها بالبال، ولا مجرد الاخطار من غير تحقق بحقيقة معناها، وهي أن الانسان مملوك لله بحقيقة الملك، وان مرجعه إلى الله سبحانه وبه يتحقق أحسن الصبر الذي يقطع منابت الجزع والأسف، ويغسل رين الغفلة.
بيانه أن وجود الانسان وجميع ما يتبع وجودة، من قواه وأفعاله قائم الذات بالله الذي هو فاطره وموجده فهو قائم به مفتقر ومستند إليه في جميع أحواله من حدوث وبقاء غير مستقل دونه، فلربه التصرف فيه كيف شاء وليس للانسان من