وفي التهذيب عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام، قال قلت له أمره أن يصلي إلى بيت المقدس؟ قال نعم ألا ترى أن الله تبارك وتعالى يقول وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ممن ينقلب على عقبيه الآية.
أقول: مقتضى الحديث كون قوله تعالى التي كنت عليها وصفا للقبلة، والمراد بها بيت المقدس، وأنه القبلة التي كان رسول الله عليها، وهو الذي يؤيده سياق الآيات كما تقدم.
ومن هنا يتأيد ما في بعض الاخبار عن العسكري عليه السلام: أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفيه باتباع القبلة التي كرهها، ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يتبع محمدا فيما يكرهه - فهو مصدقه وموافقه الحديث، وبه يتضح أيضا فساد ما قيل: إن قوله تعالى التي كنت عليها مفعول ثان لجعلنا، والمعنى: وما جعلنا القبلة، هي الكعبة التي كنت عليها قبل بيت المقدس، واستدل عليها بقوله تعالى إلا لنعلم من يتبع الرسول، وهو فاسد، ظهر فساده مما تقدم.
وفي تفسير العياشي عن الزبيري عن الصادق عليه السلام قال: قلت له ألا تخبرني عن الايمان، أقول هو وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل، مفروض من الله، مبين في كتابه، واضح نوره ثابت حجته، يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه، ولما أن صرف الله نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون:
للنبي أرأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس، ما حالنا فيها وما حال من مضى من أمواتنا، وهم كانوا يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم، فسمى الصلاة إيمانا، فمن اتقى الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه بما فرض الله عليه لقي الله مستكملا لايمانه من أهل الجنة، ومن خان في شئ منها أو تعدى ما أمر الله فيها لقي الله ناقص الايمان.
أقول: ورواه الكليني أيضا، واشتماله على نزول قوله وما كان الله ليضيع إيمانكم الآية، بعد تغيير القبلة لا ينافي ما تقدم من البيان.
وفي الفقيه أن النبي صلى إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة، ثم عيرته اليهود فقالوا إنك تابع لقبلتنا، فاغتم لذلك غما شديدا،