بيان أن المستجاب من دعوته ما يجري على حكم العادة وقانون الطبيعة من غير خرق للعادة، وإبطال لظاهر حكم الطبيعة، ولم يقل: وارزق من آمن من أهلة من الثمرات لان المطلوب استيهاب الكرامة للبلد لكرامة البيت المحرم، ولا ثمرة تحصل في واد غير ذي زرع، وقع فيه البيت، ولولا ذلك لم يعمر البلد، ولا وجد أهلا يسكنونه.
قوله تعالى: ومن كفر فأمتعه قليلا، قرء فأمتعه من باب الافعال والتفعيل والامتاع والتمتيع بمعنى واحد.
قوله تعالى: ثم اضطره إلى عذاب النار الخ، فيه إشارة إلى مزيد اكرام البيت وتطييب لنفس إبراهيم (ع)، كأنه قيل: ما سئلته من اكرام البيت برزق المؤمنين من أهل هذا البلد استجبته وزيادة، ولا يغتر الكافر بذلك أن له كرامة على الله، وانما ذلك اكرام لهذا البلد، وإجابة لدعوتك بأزيد مما سئلته، فسوف يضطر إلى عذاب النار، وبئس المصير.
قوله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، القواعد جمع قاعدة وهي ما قعد من البناء على الأرض، واستقر عليه الباقي، ورفع القواعد من المجاز بعد ما يوضع عليها منها، ونسبة الرفع المتعلق بالمجموع إلى القواعد وحدها.
وفي قوله تعالى: من البيت تلميح إلى هذه العناية المجازية.
قوله تعالى: ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم، دعاء لإبراهيم وإسماعيل، وليس على تقدير القول، أو ما يشبهه، والمعنى يقولان: ربنا تقبل منا الخ، بل هو في الحقيقة حكاية المقول نفسه، فإن قوله: يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل حكاية الحال الماضية، فهما يمثلان بذلك تمثيلا كأنهما يشاهدان وهما مشتغلان بالرفع، والسامع يراهما على حالهما ذلك ثم يسمع دعائهما بألفاظهما من غير وساطة المتكلم المشير إلى موقفهما وعملهما، وهذا كثير في القرآن، وهو من أجمل السياقات القرآنية - وكلها جميل - وفيه من تمثيل القصة وتقريبه إلى الحس ما لا يوجد ولا شئ من نوع بداعته في التقبل بمثل القول ونحوه.
وفي عدم ذكر متعلق التقبل - وهو بناء البيت - تواضع في مقام العبودية،