الصادرة عنا.
فان قلت: كل ما ذكر من معنى الاسلام وإرائة المناسك والتوبة مما يليق بشأن إبراهيم وإسماعيل عليه السلام، لا يلزم ان يكون هو مراده في حق ذريته فإنه لم يشرك ذريته معه ومع ابنه إسماعيل إلا في دعوة الاسلام وقد سال لهم الاسلام بلفظ آخر في جملة أخرى، فقال: ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ولم يقل: واجعلنا ومن ذريتنا مسلمين، أو ما يؤدي معناه فما المانع أن يكون مراده من الاسلام ما يعم جميع مراتبه حتى ظاهر الاسلام، فان الظاهر من الاسلام أيضا له آثار جميلة، وغايات نفيسة في المجتمع الانساني، يصح أن يكون بذلك بغية لإبراهيم عليه السلام يطلبها من ربه كما كان كذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث اكتفى صلى الله عليه وآله وسلم من الاسلام بظاهر الشهادتين الذي به يحقن الدماء، ويجوز التزويج، ويملك الميراث، وعلى هذا يكون المراد بالاسلام في قوله تعالى: ربنا واجعلنا مسلمين لك، ما يليق بشأن إبراهيم وإسماعيل، وفي قوله: ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ما هو اللائق بشأن الأمة التي فيها المنافق، وضعيف الايمان وقويه، والجميع مسلمون.
قلت: مقام التشريع ومقام السؤال من الله مقامان مختلفان، لهما حكمان متغايران لا ينبغي أن يقاس أحدهما على الآخر، فما اكتفى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمته بظاهر الشهادتين من الاسلام، انما هو لحكمة توسعة الشوكة والحفظ لظاهر النظام الصالح، ليكون ذلك كالقشر يحفظ به اللب الذي هو حقيقة الاسلام، ويصان به عن مصادمة الآفات الطارئة.
وأما مقام الدعاء والسؤال من الله سبحانه فالسلطة فيها للحقائق والغرض متعلق هناك بحق الامر، وصريح القرب والزلفى ولا هوى للأنبياء في الظاهر من جهة ما هو ظاهر ولا هوى لإبراهيم عليه السلام في ذريته ولو كان له هوى لبدء فيه لأبيه قبل ذريته ولم يتبرأ منه لما تبين أنه عدو لله، ولم يقل في ما حكى الله من دعائه (ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتي الله بقلب سليم) الشعراء - 89، ولم يقل (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) الشعراء، - 84، بل اكتفى بلسان ذكر في الآخرين إلى غير ذلك.