قوله تعالى: إني جاعلك للناس إماما، قول من يعتقد لنفسه ذرية، وكيف يسع من له أدنى دربة بأدب الكلام وخاصة مثل إبراهيم الخليل في خطاب يخاطب به ربه الجليل أن يتفوه بما لا علم له به؟ ولو كان ذلك لكان من الواجب أن يقول: ومن ذريتي إن رزقتني ذرية أو ما يؤدى هذا المعنى فالقصة واقعة كما ذكرنا في أواخر عهد إبراهيم بعد البشارة.
على أن قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماما، يدل على أن هذه الإمامة الموهوبة إنما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به من الامتحانات وليست هذه الا أنواع البلاء التي ابتلى عليه السلام بها في حياته، وقد نص القرآن على أن من أوضحها بلاء قضية ذبح إسماعيل قال تعالى: (قال يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك، إلى أن قال: ان هذا لهو البلاء المبين) الصافات - 106.
والقضية انما وقعت في كبر إبراهيم، كما حكى الله تعالى عنه من قوله: ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل، واسحق، ان ربي لسميع الدعاء) إبراهيم - 41.
ولنرجع إلى ألفاظ الآية فقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه، الابتلاء والبلاء بمعنى واحد تقول: ابتليته وبلوته بكذا أي امتحنته واختبرته، إذا قدمت إليه أمرا أو أوقعته في حدث فاختبرته بذلك واستظهرت ما عنده من الصفات النفسانية الكامنة عنده كالاطاعة والشجاعة والسخاء والعفة والعلم والوفاء أو مقابلاتها، ولذلك لا يكون الابتلاء إلا بعمل فإن الفعل هو الذي يظهر به الصفات الكامنة من الانسان دون القول الذي يحتمل الصدق والكذب قال تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) ن - 17، وقال تعالى: (ان الله مبتليكم بنهر) البقرة - 249.
فتعلق الابتلاء، في الآية بالكلمات ان كان المراد بها الأقوال إنما هو من جهة تعلقها با لعمل وحكايتها عن العهود والأوامر المتعلقة بالفعل كقوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) البقرة - 83، أي عاشروهم معاشرة جميلة وقوله: