الآية) فبين ان الملاك في ذلك صبرهم في جنب الله - وقد أطلق الصبر - فهو في كل ما يبتلي ويمتحن به عبد في عبوديته، وكونهم قبل ذلك موقنين، وقد ذكر في جملة قصص إبراهيم عليه السلام قوله: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) الانعام - 75، والآية كما ترى تعطي بظاهرها: أن إرائة الملكوت لإبراهيم كانت مقدمة لإفاضة اليقين عليه، ويتبين به أن اليقين لا ينفك عن مشاهدة الملكوت كما هو ظاهر قوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم) التكاثر - 6 وقوله تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون - إلى أن قال - كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين، وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون) المطففين - 21، وهذه الآيات تدل على أن المقربين هم الذين لا يحجبون عن ربهم بحجاب قلبي وهو المعصية والجهل والريب والشك، فهم أهل اليقين بالله، وهم يشهدون عليين كما يشهدون الجحيم.
وبالجملة فالامام يجب أن يكون إنسانا ذا يقين مكشوفا له عالم الملكوت - متحققا بكلمات من الله سبحانه - وقد مر أن الملكوت هو الامر الذي هو الوجه الباطن من وجهي هذا العالم، فقوله تعالى: يهدون بأمرنا، يدل دلالة واضحة على أن كل ما يتعلق به أمر الهداية - وهو القلوب والأعمال - فللامام باطنه وحقيقته، ووجهه الامري حاضر عنده غير غائب عنه، ومن المعلوم أن القلوب والأعمال كسائر الأشياء في كونها ذات وجهين، فالامام يحضر عنده ويلحق به أعمال العباد، خيرها وشرها، وهو المهيمن على السبيلين جميعا، سبيل السعادة وسبيل الشقاوة. وقال تعالى أيضا:
(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) الاسراء - 71، وسيجئ تفسيره بالامام الحق دون كتاب الأعمال، على ما يظن من ظاهرها، فالامام هو الذي يسوق الناس إلى الله سبحانه يوم تبلى السرائر، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها، والآية مع ذلك تفيد أن الامام لا يخلو عنه زمان من الأزمنة، وعصر من الاعصار، لمكان قوله تعالى كل أناس، على ما سيجئ في تفسير الآية من تقريبه.
ثم إن هذا المعنى أعني الإمامة، على شرافته وعظمته، لا يقوم إلا بمن كان سعيد الذات بنفسه، إذ الذي ربما تلبس ذاته بالظلم والشقاء، فإنما سعادته بهداية من غيره، وقد قال الله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي)