بالمضادة فيها إخراج المجرم عن كونه مصداقا لشمول العقاب بجعله مصداقا لشمول الرحمة من صفات أخرى له تعالى من رحمة وعفو ومغفرة، ومنها إفضاله للشافع بالاكرام والاعظام.
الاشكال الثاني: أن سنة الله تعالى جرت على صون أفعاله من التخلف والاختلاف، فما قضى وحكم به يجريه على وتيرة واحدة من غير استثناء، وعلى هذا جرت سنة الأسباب، قال تعالى: (هذا صراط على مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين) الحجر - 43، وقال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم) الانعام - 153، وقال تعالى: (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) الفاطر - 42، وتحقق الشفاعة موجب للاختلاف في الفعل فان رفع العقاب بالشفاعة عن جميع المجرمين في جميع جرائمهم موجب لنقض الفرض المحال، ولعب ينافي الحكمة قطعا، ورفعة عن بعض المجرمين أو في بعض جرائمهم وذنوبهم اختلاف في فعله تعالى وتغير وتبدل في سنته الجارية وطريقته الدائمة، إذ لا فرق بين المجرمين في أن كل واحد منهم مجرم ولا بين الذنوب في أن كلا منها ذنب وخروج عن زي العبودية فتخصيص بعضهم أو بعض من أعمالهم بالصفح والاغماض دون بعض بواسطة الشفاعة محال، وإنما تجري الشفاعة وما يشبهها في سنة هذه الحياة من ابتناء الأعمال والافعال على الأهواء والأوهام التي ربما تقضي في الحق والباطل على السواء، وتجري عن الحكمة وعن الجهالة على نسق واحد.
والجواب أنه لا ريب في أن صراطه تعالى مستقيم وسنته واحدة لكن هذه السنة الواحدة الغير المختلفة ليست قائمة على أصل صفة واحدة من صفاته تعالى كصفة التشريع والحكم مثلا حتى لا يتخلف حكم عن مورده ولا جزاء حكم عن محله قط بل هي قائمة على ما يستوجبه جميع صفاته المربوطة علت صفاته.
توضيح ذلك: أن الله سبحانه هو الواهب المفيض لكل ما في الوجود من حياة أو موت أو رزق أو نعمة أو غير ذلك. وهي أمور مختلفة لا ترتبط به سبحانه على السواء ولا لرابطة واحدة كيف كانت، فإن فيه بطلان الارتباط والسببية، فهو تعالى لا يشفي مريضا من غير سبب موجب ومصلحة مقتضية ولا يشفيه لأنه الله المميت