فإنا لا نستشفع فيما يتضمنه الأسباب الطبيعية والحوادث الكونية من الخير والشر والنفع والضر، كالجوع، والعطش، والحر، والبرد، والصحة، والمرض، بل نتسبب فيها بالأسباب الطبيعية، ونتوسل إليها بوسائلها المناسبة لها كالاكل، والشرب، واللبس والاكتنان والمداواة، وانما نستشفع في الخيرات والشرور والمنافع والمضار التي تستدعيها أو تستتبعها أوضاع القوانين الاحكام التي وضعتها واعتبرتها وقررتها واجرتها حكومة الاجتماع بنحو الخصوص أو العموم، ففي دائرة المولوية والعبودية وعند كل حاكم ومحكوم، وأحكام من الأمر والنهي إذا عمل بها وامتثلها المكلف بها استتبع ذلك تبعة الثواب من مدح أو نفع، من جاه أو مال، وإذا خالفها وتمرد منها استتبع ذلك تبعة العقاب من ذم أو ضرر مادي، أو معنوي، فإذا أمر المولى أو نهي عبده، أو كل من هو تحت سيادته وحكومته بأمر أو نهى مثلا فامتثله كان له بذلك أجر كريم، وإن خالف كان له عقاب أو عذاب فهناك نوعان من الوضع والاعتبار، وضع الحكم ووضع تبعة الحكم، يتعين به تبعة الموافقة والمخالفة.
وعلى هذا الأصل تدور جميع الحكومات العامة بين الملل والخاصة بين كل إنسان ومن دونه.
فإذا أراد الانسان أن ينال كمالا وخيرا ماديا أو معنويا وليس عنده ما يستوجب ذلك بحسب ما يعينه الاجتماع، ويعرف به لياقته، أو أراد ان يدفع عن نفسه شرا متوجها إليه من عقاب المخالفة وليس عنده ما يدفعه، أعني الامتثال والخروج عن عهدة التكليف، وبعبارة واضحة إذا أراد نيل ثواب من غير تهيئة أسبابه، أو التخلص من عقاب من غير إتيان التكليف المتوجة إليه فذلك مورد الشفاعة، وعنده تؤثر لكن لا مطلقا فإن من لا لياقة له بالنسبة إلي التلبس بكمال، أو لا رابطة له تربطها إلى المشفوع عنده أصلا، كالعامي الأمي الذي يريد تقلد مقام علمي، أو الجاحد الطاغي الذي لا يخضع لسيده أصلا لا تنفع عنده الشفاعة، فإنما الشفاعة متممة للسبب لا مستقلة في التأثير.
ثم إن تأثير الشفيع عند الحاكم المشفوع عنده لا يكون تأثيرا جزافيا من غير سبب يوجب ذلك بل لا بد أن يوسط أمرا يؤثر في الحاكم، ويوجب نيل الثواب،