في حين كذا على حال كذا لاقتران أسباب وشرائط خاصة فيريد فيه بإرادة، ثم يكون في حين آخر على حال آخر جديد يخالف الأول لاقتران أسباب وشرائط اخر فيريد فيه بإرادة أخرى وكل يوم هو في شأن، وقد قال تعالى: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) الرعد - 39، وقال (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) المائدة - 67، مثال ذلك: أنا نعلم أن الهواء ستغشاه الظلمة فلا يعمل أبصارنا والحاجة إليه قائمة ثم تنجلي الظلمة بإنارة الشمس فتتعلق إرادتنا عند إقبال الليل بالاستضاءة بالسراج وعند انقضائه باطفائه والعلم والإرادة غير متغيرتين وإنما تغير المعلوم والمراد، فخرجا عن كونهما منطبقا عليه للعلم والإرادة، وليس كل علم ينطبق على كل معلوم، ولا كل إرادة تتعلق بكل مراد، نعم تغير العلم والإرادة المستحيل عليه تعالى هو بطلان انطباق العلم على المعلوم والإرادة على المراد مع بقاء المعلوم والمراد على حالهما وهو الخطأ والفسخ، مثل أن ترى شبحا فتحكم بكونه إنسانا ثم يتبين انه فرس فيتبدل العلم، أو تريد أمرا لمصلحة ما ثم يظهر لك أن المصلحة في خلافه فتنفسخ إرادتك، وهذان غير جائزين في مورده تعالى، والشفاعة ورفع العقاب بها ليس من هذا القبيل كما عرفت.
الاشكال الرابع: أن وعد الشفاعة منه تعالى أو تبليغها من الأنبياء عليهم السلام مستلزم لتجري الناس على المعصية واغراء لهم على هتك محارم الله تعالى وهو مناف للغرض الوحيد من الدين من سوق الناس إلى العبودية والطلاعة فلا بد من تأويل ما يدل عليه من الكتاب والسنة بما لا يزاحم هذا الأصل البديهي.
والجواب عنه، اولا: بالنقض بالآيات الدالة على شمول المغفرة وسعة الرحمة كقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء - 51، والآية - كما مر - في غير مورد التوبة بدليل إستثنائه الشرك المغفور بالتوبة.
وثانيا: بالحل: فإن وعد الشفاعة أو تبليغها إنما يستلزم تجري الناس على المعصية وإغرائهم على التمرد والمخالفة بشرطين:
أحدهما: تعيين المجرم بنفسه ونعته أو تعيين الذنب الذي تقع فيه الشفاعة تعيينا لا يقع فيه لبس بنحو الانجاز من غير تعليق بشرط جائز.