ومغفرته وما أشبه ذلك من صفاته العليا لتشمل عبدا من عباده سائت حاله بالمعصية، وشملته بلية العقوبة، فيخرج عن كونه مصداقا للحكم الشامل، والجرم العامل على ما عرفت أن تأثير الشفاعة بنحو الحكومة دون التضاد وهو القائل عز من قائل:
(أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) الفرقان - 70، فله تعالى أن يبدل عملا من عمل كما أن له أن يجعل الموجود من العمل معدوما، قال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) الفرقان - 23، وقال تعالى: (فأحبط أعمالهم) محمد - 10، وقال تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) النساء - 31، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء - 48، والآية في غير مورد الايمان والتوبة قطعا فإن الايمان والتوبة يغفر بهما الشرك أيضا كسائر الذنوب وله تكثير القليل من العمل، قال تعالى: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) القصص - 65، وقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) الانعام - 160، وله سبحانه أن يجعل المعدوم من العمل موجودا، قال تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل أمرء بما كسب رهين) الطور - 21، وهذا هو اللحوق والالحاق وبالجملة فله تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
نعم إنما يفعل لمصلحة مقتضية، وعلة متوسطة ولتكن من جملتها شفاعة الشافعين من أنبيائه وأوليائه والمقربين من عباده من غير جزاف ولا ظلم.
ومن هنا ظهر أن معنى الشفاعة بمعنى الشافعية، صادق بحسب الحقيقة في حقه تعالى فإن كلا من صفاته متوسطة بينه وبين خلقه في إفاضة الجود وبذل الوجود فهو الشفيع في الحقيقة على الاطلاق. قال تعالى: (قل لله الشفاعة جميعا) الزمر - 44، وقال تعالى: (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) السجدة - 4، وقال تعالى:
(ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) الانعام - 51. وغيره تعالى لو كان شفيعا فإنما هو بإذنه وتمليكه. فقد ثبت بما مر صحة تحقق الشفاعة عنده تعالى في الجملة فيما لا يوجب محذورا لا يليق بساحة كبريائه تعالى.