عباس، سميت بذلك لأنها تصخ الآذان أي تبالغ في إسماعها، حتى تكاد تصمها.
وقيل: لأنها يصخ لها الخلق أي يستمع، وقد قلب حرف التضعيف ياء لكراهية التضعيف، فقالوا: صاخ كما قالوا: تظنيت في تظننت، وتقضي البازي (1) في تقضض. ثم ذكر سبحانه في أي وقت تجئ الصاخة فقال: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته) أي وزوجته (وبنيه) أي وأولاده الذكور أي: لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء، لعظم ما هو فيه، وشغله بنفسه، وإن كان في الدنيا يعتني بشأنهم. وقيل: يفر منهم حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التبعات والمظالم. وقيل: لعلمه بأنهم لا ينفعونه، ولا يغنون عنه شيئا. ويجوز أن يكون مؤمنا، وأقرباؤه من أهل النار فيعاديهم، ولا يلتفت إليهم، أو يفر منهم لئلا يرى ما نزل بهم من الهوان.
(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) أي لكل انسان منهم أمر عظيم يشغله عن الأقرباء، ويصرفه عنهم. ومعنى يغنيه: يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره، لما هو فيه من الأمر الذي قد اكتنفه، وملأ صدره، فصار كالغني عن الشئ في أمر نفسه، لا ينازع إليه. وروي عن عطاء بن يسار، عن سودة زوجة النبي (ص) قالت: قال رسول (ص): (يبعث الناس عراة حفاة غرلا (2) يلجمهم العرق، ويبلغ، شحمة الأذان قالت قلت: يا رسول الله! وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض! قال: شغل الناس عن ذلك. وتلا رسول الله: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).
ثم قسم سبحانه أحوال الناس في ذلك اليوم فقال: (وجوه يومئذ مسفرة) أي مشرقة مضيئة (ضاحكة مستبشرة) من سرورها وفرحها بما أعد لها من الثواب، وأراد بالوجوه أصحاب الوجوه (ووجوه يومئذ عليها غبرة) أي سواد وكآبة للهم (ترهقها) أي تعلوها وتغشاها (قترة) أي سواد أو كسوف عند معاينة النار. وقيل: إن الغبرة ما انحطت من السماء إلى الأرض. والقترة ما ارتفعت من الأرض إلى السماء. عن زيد بن مسلم (أولئك هم الكفرة) في أديانهم (الفجرة) في أفعالهم. واستدلت الخوارج بذلك على أن من ليس بمؤمن، لا بد أن يكون كافرا، فإن الله سبحانه قسم