الزكاة المفروضة وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع، وهذا هو الظاهر.
وقيل: معناه لا يطهرون أنفسهم من الشرك بقول (لا إله إلا الله) فإنها زكاة الأنفس، عن عطاء، عن ابن عباس. وهذا كما يقال: أعطى فلان من نفسه الطاعة أي:
ألزمها نفسه. وقد وصف سبحانه الكفر بالنجاسة بقوله: (إنما المشركون نجس،)، وذكر الزكاة بمعنى التطهير في قوله: (خيرا منه زكاة). وقيل: معناه لا يقرون بالزكاة، ولا يرون إيتاءها، ولا يؤمنون بها، عن الحسن وقتادة. وعن الكلبي:
عابهم الله بها وقد كانوا يحجون ويعتمرون. وقيل: لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون، عن الضحاك ومقاتل. وكان يقول: الزكاة قنطرة الاسلام. وقال الفراء:
الزكاة في هذا الموضع أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صل الله عليه وآله وسلم (وهم بالآخرة هم كافرون) وهم مع ذلك يجحدون بما أخبر الله تعالى به من أحوال الآخرة.
ثم عقب سبحانه ما ذكره من وعيد الكافرين بذكر الوعد للمؤمنين فقال: (إن الذين آمنوا) أي: صدقوا بأمر الآخرة من الثواب والعقاب. (وعملوا الصالحات) أي: الطاعات (لهم أجر غير ممنون) أي: لهم جزاء على ذلك غير مقطوع، بل هو متصل دائم. ويجوز أن يكون معناه: إنه لا أذى فيه من المن الذي يكدر الصنيعة.
ثم وبخهم سبحانه على كفرهم فقال: (قل) يا محمد لهم، على وجه الانكار عليهم، (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض) وهذا استفهام تعجيب أي: كيف تستجيزون أن تكفروا وتجحدوا نعمة من خلق الأرض (في يومين) أي: في مقدار يومين (وتجعلون له أندادا) أي: أمثالا وأشباها تعبدونهم. وفي هذا دلالة على أنه سبحانه، إنما يستدل على إثبات ذاته وصفاته بأفعاله، فهي دالة على إثبات صفاته، إما بنفسها كما يدل صحة الفعل على كونه قادرا وأحكامه على كونه عالما، وإما بواسطة كما يدل كونه قادرا عالما على كونه حيا موجودا سميعا بصيرا.
(ذلك رب العالمين) أي: ذلك الذي خلق الأرض في يومين، خالق العالمين، ومالك التصرف فيهم. (وجعل فيها) أي: في الأرض (رواسي) أي:
جبالا راسيات ثابتات (من فوقها) أي: من فوق الأرض. (وبارك فيها) بما خلق فيها من المنافع، وقيل: بأن أنبت شجرها من غير غرس، وأخرج نبتها من غير