المعنى: ثم حكى سبحانه عنهم بقوله: (وقالوا) يعني الكفار (لجلودهم لم شهدتم علينا) أي: يعاتبون أعضاءهم، فيقولون لها: لم شهدتم علينا (قالوا) أي: فتقول جلودهم في جوابهم (أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ) أي: مما ينطق.
والمعنى. أعطانا الله آلة النطق والقدرة على النطق، وتم الكلام.
ثم قال سبحانه: (وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) في الآخرة أي: إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي سواه تعالى. وليس هذا من جواب الجلود. (وما كنتم تستترون أن يشهد) أي: من أن يشهد (عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) معناه: وما كنتم تستخفون أي: لم يكن يتهيأ لكم أن تستروا أعمالكم عن هذه الأعضاء، لأنكم كنتم بها تعملون، فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة.
وقيل: معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها، لأنكم ما كنتم تظنون ذلك.
(ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) لجهلكم بالله تعالى، فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذاك. وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا وقالوا: أترى الله يسمع سرارنا؟ ويجوز أن يكون المعنى: إنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله، كما يقال: أهلكت نفسي أي: عملت عمل من أهلك النفس. وقيل: إن الكفار كانوا يقولون: إن الله لا يعلم ما في أنفسنا، ولكنه يعلم ما يظهر، عن ابن عباس.
(وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) (ذلكم) مبتدأ، و (ظنكم) خبره، و (أرداكم) خبر ثان. ويجوز أن يكون (ظنكم) بدلا من (ذلكم). ويكون المعنى: وظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي، وأدى بكم إلى الكفر. (فأصبحتم من الخاسرين) أي:
فظللتم من جملة من خسرت تجارته، لأنكم خسرتم الجنة، وحصلتم في النار. قال الصادق عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا، كأنه يشرف على النار، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة. إن الله تعالى يقول (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم،) الآية. ثم قال. إن الله عند ظن عبده به إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم أخبر سبحانه عن حالهم فقال: (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) أي: فإن