ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله كل مبلغ، فبات ليلته مهموما، فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية، فقال: لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار، فتعرض لها المهاجرون والأنصار، ثم قال: أين علي؟ فقالوا: يا رسول الله هو أرمد، فبعث إليه سلمان وأبا ذر، فجاءا به وهو يقاد لا يقدر على فتح عينيه، وقال: اللهم أذهب عنه الرمد والحر والبرد وانصره على عدوه فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك، ثم دفع إليه الراية، فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول فيه شعرا؟ فأذن له، فقال:
وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا وقال سأعطي الراية اليوم ماضيا * كميا محبا للرسول مواليا يحب إلهي والرسول يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا فأصفى بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المؤاخيا فقال: إن عليا عليه السلام لم يجد بعد ذلك أذى في عينيه، ولا أذى حر ولا برد.
وفي رواية أخرى: إن الراية أعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر فعاد منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه في ذلك اليوم، ثم أعطاها في اليوم الثاني عمر فرجع بها منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه وقد جرح في رجله، فلما كان في اليوم الثالث دفعها إلى علي عليه السلام وقال ما حكيناه في الرواية الأولى.
والذي قاله النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام حين سلم الراية إليه يقتضي ظاهره التقديم والتعظيم في الصفات التي وصفه بها على من تقدمه ممن سلمت الراية إليهم أولا.