نؤثر على ما فيه من ضرره مقامه ونهوى دوامه ونكره فراقه لما في فراقه من الضرر الأعظم وقطع كل المنافع. وقد نختار بعض الأمور المضرة المؤلمة دفعا لما هو أضر منها، كمن يمشي على الشوك دافعا بذلك على شدة ضرره ما هو أعظم منه من المضار وكشاب الدواء المر دافعا بذلك العلل العظيمة عن جسمه، وكقاطع بعض أعضائه فاديا بذلك السراية إلى نفسه.
ولي من قصيدة أولها " ما زرت إلا خداعا أيها الساري ":
لا تنكري نزوات الشيب آونة * في فاحم صيغ للأبصار من قار قد كنت أعذر نفسي قبل زورته * فالآن ضاقت على اللذات أعذاري من منصفي من بديدات كما ابتدأت * في عرفج الدو نار أيما نار لوامع لم تكن للغيث جاذبة * أو أنجم لم تنر للمدلج الساري يغضضن عنهن أبصار الحسان كما * يغضضن عن ناخس فيها وعواري لا مرحبا ببياض لم يكن وضحا * لغرة الصبح أو لمعا لنوار أما تشبيه ابتداء الشيب وتبدده في الشعر بابتداء النار في العرفج قبل انتشارها فيه فهي تضئ منه مواضع دون أخرى، فمن واقع التشبيه وغريبه. وأنما قلنا نار، استكبارا لها واستعظاما واختصارا شديدا لشكوى تلك الحال وتعديد ما فيها من المضار.
فأما البيت الذي أوله " لوامع لم تكن للغيث جاذبة " فإن تشبيه لمع بياض المشيب في خلال الشباب بلمع البروق في الغمام، لما اعتمد في البيت ووجب في صنعة الشعر، وتحقيق معناه: أن ينفي على هذا الشبه بالبروق فيقال إنها لم تكن للغيث جاذبة، وكذلك لما شبه الشيب في هذا البيت بالنجوم وجب أن ينفي عنه