والشيب إن فكرت فيه مورد * لا بد يورده الفتى إن عمرا يبيض بعد سواده الشعر الذي * إن لم يزره الشيب واراه الثرى زمن الشبيبة لا عدتك تحية * وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا فلطالما أضحى ردائي ساحبا * في ظلك الوافي وعودي اخضرا أيام يرمقني الغزال إذا رنا * شغفا ويطرقني الخيال إذا سرى معنى " بلغ الشباب مدى الكمال فنورا " إنه تكامل وانتهى إلى غايته، والزرع إذا تكامل وبلغ غايته نور.
وفي هذا الموضع زيادة على ما يمضي كثيرا في الشعر من تشبيه الشيب بالنور، لأن ذاك إنما يفيد تشبيهه به في لونه، وهذا البيت الذي يختص به يريد مع أنه يشبهه في النور إن معنى الشيب مع النور في الظهور والطلوع عند بلوغ الغاية، وإنما أردت تسلية من جزعت من شيبي من النساء بأن الشيب لا بد منه عند الانتهاء إلى غايته كما لا بد من النور في هذه الحال.
ولي من أبيات قد ذكرتها فيما خرجته من شعري مثل هذا بعينه، وهو:
ورأت بياضا في نواحي لمة * ما كان فيها في الزمان السالف مثل الثغام تلاحقت أنواره * عمدا لتأخذه بنان القاطف والثغام نور أبيض تشبه العرب به الشيب، فأما البيتان التاليان للبيت الأول فمعناهما واحد، لأن من عمر شاب والشعر الأسود رهن يشيب مع البقاء أو بالتراب عند الفناء.
وقد تكررت هذه القسمة في كثير من شعري، وأنت ترى ذلك في مواضعه، من جملة ما يشبه ذلك لي: