وكما لا يصلح الملك إلا بمن يستحق الملك، كذلك لا تصلح الوزارة إلا بمن يستحق الوزارة.
وكان يقال: الوزير الصالح لا يرى أن صلاحه في نفسه كائن صلاحا حتى يتصل بصلاح الملك وصلاح رعيته، وأن تكون عنايته فيما عطف الملك على رعيته، وفيما استعطف قلوب الرعية والعامة على الطاعة للملك، وفيما فيه قوام أمر الملك من التدبير الحسن، حتى يجمع إلى أخذ الحق تقديم عموم الامن. وإذا طرقت الحوادث، كان للملك عدة وعتادا، وللرعية كافيا محتاطا، ومن ورائها محاميا ذابا، يعنيه من صلاحها ما لا يعنيه من صلاح نفسه دونها.
وكان يقال: مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسدا مثل الماء العذب الصافي وفيه التمساح، لا يستطيع الانسان - وإن كان سابحا، وإلى الماء ظامئا - دخوله، حذرا على نفسه.
قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي حين استخلف: لو كنت كاتبي وردءا لي على ما دفعت إليه! قال: لا أفعل، ولكني سأرشدك، أسرع الاستماع، وأبطئ في التصديق حتى يأتيك واضح البرهان، ولا تعملن ثبجتك فيما تكتفي فيه بلسانك، ولا سوطك فيما تكتفي فيه بثبجتك، ولا سيفك فيما تكتفي فيه بسوطك.
وكان يقال: التقاط الكاتب للرشا وضبط الملك لا يجتمعان.
وقال أبرويز لكاتبه: اكتم السر، وأصدق الحديث، واجتهد في النصيحة، وعليك بالحذر، فإن لك على ألا أعجل عليك حتى أستأني لك، ولا أقبل فيك قولا حتى أستيقن، ولا أطمع فيك أحدا فتغتال، واعلم أنك بمنجاة (1) رفعة فلا تحطنها، وفي .