طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظا إذا ولوك. حذرا إذا قربوك، أمينا إذا ائتمنوك، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتأدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلفهم الشكر، ذليلا إن صرموك، راضيا إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كل البعد والحذر منهم كل الحذر، وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنى فاستغن عنه، فإنه من يخدم السلطان حق خدمته يخلى بينه وبين لذة الدنيا وعمل الأخرى، ومن يخدمه غير حق الخدمة فقد احتمل وزر الآخرة، وعرض نفسه للهلكة والفضيحة في الدنيا. فإذا صحبت السلطان فعليك بطول الملازمة من غير إملال، وإذا نزلت منه بمنزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق، ولا تكثر له من الدعاء، ولا تردن عليه كلاما في حفل وإن أخطأ، فإذا خلوت به فبصره في رفق، ولا يكونن طلبك ما عنده بالمسألة، ولا تستبطئه وإن أبطأ، ولا تخبرنه أن لك عليه حقا، وأنك تعتمد عليه ببلاء، وإن استطعت ألا تنسى حقك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهاد فافعل، ولا تعطينه المجهود كله من نفسك في أول صحبتك له، وأعد موضعا للمزيد. وإذا سأل غيرك عن شئ فلا تكن المجيب.
واعلم أن استلابك الكلام خفة فيك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول، فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت، أو قال المسؤول: أجب بمجالسته ومحادثته أيها المعجب بنفسه، والمستخف بسلطانه.
وقال عبد الملك بن صالح لمؤدب ولده بعد أن اختصه بمجالسته ومحادثته: يا عبد الله، كن على التماس الحظ فيك بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام، فإنهم قالوا:
إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم. وأعلم أن أصعب الملوك معاملة الجبار الفطن المتفقد، فإن ابتليت بصحبته فاحترس، وإن عوفيت فاشكر الله على السلامة، فإن السلامة أصل كل نعمه. لا تساعدني على ما يقبح بي. ولا تردن على