خطا في مجلس، ولا تكلفني جواب التشميت والتهنئة، ودع عنك: كيف أصبح الأمير، وكيف أمسى! وكلمني بقدر ما أستنطقك، وأجعل بدل التقريظ لي صواب الاستماع منى.
وأعلم أن صواب الاستماع أحسن من صواب القول، فإذا سمعتني أتحدث فلا يفوتنك منه شئ، وأنى فهمك إياه في طرفك ووجهك، فما ظنك بالملك وقد أحلك محل المعجب بما يسمعك إياه، وأحللته محل من لا يسمع منه! وكل من هذا يحبط إحسانك، ويسقط حق حرمتك، ولا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون منى، فمن أسوأ حالا ممن يستكد الملوك بالباطل، وذلك يدل على تهاونه بقدر ما أوجب الله تعالى من حقهم. واعلم أنى جعلتك مؤدبا، بعد أن كنت معلما، وجعلتك جليسا مقربا بعد أن كنت مع الصبيان مباعدا، فمتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه، لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، وقد قالوا: من لم يعرف سوء ما أولى، لم يعرف حسن ما أبلى.
* * * ثم قال عليه السلام: وليكن كاتبك غير مقصر عن عرض مكتوبات عمالك عليك، والإجابة عنها حسن الوكالة والنيابة عنك فيما يحتج به لك عليهم من مكتوباتهم، وما يصدره عنك إليهم من الأجوبة فإن عقد لك عقدا قواه وأحكمه، وإن عقد عليك عقدا اجتهد في نقضه وحلة. قال: وأن يكون عارفا بنفسه، فمن لم يعرف قدر نفسه لم يعرف قدر غيره.
ثم نهاه أن يكون مستند اختياره لهؤلاء فراسته فيهم، وغلبة ظنه بأحوالهم، فإن التدليس ينم في ذلك كثيرا، وما زال الكتاب يتصنعون للأمراء بحسن الظاهر، وليس وراء ذلك كثير طائل في النصيحة، والمعرفة، ولكن ينبغي أن يرجع في ذلك إلى ما حكمت