قلت: أما تعجب المرتضى من كون قوم منعوا الزكاة وأقاموا على الصلاة ودعواه أن هذا غير ممكن ولا صحيح، فالعجب منه كيف ينكر وقوع ذلك، وكيف ينكر إمكانه! أما الامكان فلأنه لا ملازمة بين العبادتين إلا من كونهما مقترنتين في بعض المواضع في القرآن، وذلك لا يوجب تلازمهما في الوجود، أو من قوله: إن الناس يعلمون كون الزكاة واجبه في دين الاسلام ضرورة، كما تعلمون كون الصلاة في دين الاسلام ضرورة، وهذا لا يمنع اعتقادهم سقوط وجوب الزكاة لشبهة دخلت عليهم. فإنهم قالوا:
إن الله تعالى قال لرسوله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم قالوا: فوصف الصدقة المفروضة بأنها صدقة من شأنها أن يطهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس ويزكيهم بأخذها منهم، ثم عقب ذلك بأن فرض عليه مع أخذ الزكاة منهم أن يصلى عليهم صلاه تكون سكنا لهم. قالوا: وهذه الصفات لا تتحقق في غيره، لان غيره لا يطهر الناس ويزكيهم بأخذ الصدقة، ولا إذا صلى على الناس كانت صلاته سكنا لهم، فلم يجب علينا دفع الزكاة إلى غيره. وهذه الشبهة لا تنافى كون الزكاة معلوما وجوبها ضرورة من دين محمد (صلى الله عليه وآله) لأنهم ما جحدوا وجوبها، ولكنهم قالوا: إنه وجوب مشروط، وليس يعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة وإنما يعلم ذلك بنظر وتأويل، فقد بان أن ما ادعاه من الضرورة ليس بدال على أنه لا يمكن أحد اعتقاد نفى وجوب الزكاة بعد موت الرسول، ولو عرضت مثل هذه الشبهة في صلاة لصح لذاهب أن يذهب إلى أنها قد سقطت عن الناس، فأما الوقوع فهو المعلوم ضرورة بالتواتر، كالعلم بأن أبا بكر ولى الخلافة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ضرورة بطريق التواتر، ومن أراد الوقوف على ذلك فلينظر في كتب التواريخ