ومنها نهيه عن التساقط في الشئ الممكن عند حضوره وهذا عبارة عن النهى عن الحرص والجشع، قال الشنفري:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن * بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجل ومنها نهيه عن اللجاجة في الحاجة إذا تعذرت، كان يقال: من لاج الله فقد جعله خصما، وكان الله خصمه فهو مخصوم، قال الغزي:
دعها سماوية تجرى على قدر * لا تفسدنها برأي منك معكوس ومنها نهيه له عن الوهن فيها إذا استوضحت، أي وضحت وانكشفت، ويروى:
" واستوضحت " فعل ما لم يسم فاعله، والوهن فيها إهمالها وترك انتهاز الفرصة فيها، قال الشاعر:
فإذا أمكنت فبادر إليها * حذرا من تعذر الامكان.
ومنها نهيه عن الاستئثار، وهذا هو الخلق النبوي، غنم رسول الله صلى الله عليه وآله غنائم خيبر، وكانت ملء الأرض نعما، فلما ركب راحلته وسار تبعه الناس يطلبون الغنائم وقسمها، وهو ساكت لا يكلمهم، وقد أكثروا عليه إلحاحا وسؤالا، فمر بشجرة فخطفت (1) رداءه، فالتفت فقال: ردوا على ردائي فلو ملكت بعدد رمل تهامة مغنما لقسمته بينكم عن آخره ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا، ونزل وقسم ذلك المال عن الآخرة عليهم كله، لم يأخذ لنفسه منه وبرة.
ومنها نهيه له عن التغابي، وصوره ذلك أن الأمير يومى إليه أن فلانا من خاصته يفعل كذا ويفعل كذا من الأمور المنكرة ويرتكبها سرا، فيتغابى عنه ويتغافل، نهاه عليه السلام عن ذلك وقال: إنك مأخوذ منك لغيرك، أي معاقب، تقول اللهم خذ لي من فلان بحقي، أي اللهم انتقم لي منه.
.