لان المشار إليه لا بد أن يكون في جهة مخصوصة، وكل ما هو في جهة فله حد وحدود، أي أقطار وإطراف.
قال: " ومن حده فقد عده "، أي جعله من الأشياء المحدثة، وهذا حق، لان كل محدود معدود في الذوات المحدثة.
قال: " ومن قال: فيم؟ فقد ضمنه "، وهذا حق، لان من تصور أنه في شئ فقد جعله أما جسما مستترا في مكان، أو عرضا ساريا في محل، والمكان متضمن للتمكن، والمحل متضمن للعرض.
قال: " ومن قال: علام؟ فقد أخلى منه "، وهذا حق، لان من تصور إنه تعالى على العرش، أو على الكرسي، فقد أخلى منه غير ذلك الموضع. وأصحاب تلك المقالة يمتنعون من ذلك، ومراده عليه السلام إظهار تناقض أقوالهم، وإلا فلو قالوا (1): هب إنا قد أخلينا منه غير ذلك الموضع، أي محذور يلزمنا؟ فإذا قيل لهم: لو خلا منه موضع دون موضع لكان جسما، ولزم حدوثه، قالوا: لزوم الحدوث والجسمية إنما هو من حصوله في الجهة لا من خلو بعض الجهات عنه، وأنتم إنما احتججتم علينا بمجرد خلو بعض الجهات منه، فظهر أن توجيه الكلام عليهم إنما هو إلزام لهم لا استدلال على فساد قولهم.
* * * فأما القطب الراوندي فإنه قال في معنى قوله: " نفى الصفات عنه ": أي صفات المخلوقين، قال: لأنه تعالى عالم قادر، وله بذلك صفات، فكيف يجوز أن يقال: لا صفة له!
وأيضا فإنه عليه السلام قد أثبت لله تعالى صفة أولا، حيث قال: " الذي ليس لصفته حد محدود " فوجب أن يحمل كلامه على ما يتنزه عن المناقضة.