أكرم منه، فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شئ منها حتى قطعها، لم يعرج ودخل بعير يتلوه تابع أثره حتى خرج منها. ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه، ومضى قصد الأولين، ثم دخل بعير رابع، فوقع في الروضة يرتع ويخضم، ولا والله لا أكون الرابع، وإن أحدا لا يقوم مقام أبى بكر وعمر فيرضى الناس عنه.
ثم ذكر خلع عبد الرحمن نفسه من الامر، على أن يوليها أفضلهم في نفسه، وأن عثمان أجاب إلى ذلك، وأن عليا عليه السلام سكت، فلما روجع رضى على موثق أعطاه عبد الرحمن، أن يؤثر الحق، ولا يتبع الهوى، ولا يخص ذا رحم، ولا يألو الأمة نصحا، وأن عبد الرحمن ردد القول بين على وعثمان متلوما، وأنه خلا بسعد تارة، وبالمسور بن مخرمة الزهري تارة أخرى، وأجال فكره، وأعمل نظره، ووقف موقف الحائر بينهما، قال: قال علي عليه السلام لسعد بن أبي وقاص: يا سعد، اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وبرحم عمى حمزة منك، ألا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا.
- قلت: رحم حمزة من سعد، هي أن أم حمزة هالة بنت أهيب بن عبد مناف ابن زهرة، وهي أيضا أم المقوم، وحجل - واسمه المغيرة - والغيداق أبناء عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف، هؤلاء الأربعة بنو عبد المطلب من هالة، وهالة هذه هي عمة سعد بن أبي وقاص، فحمزة إذن ابن عمة سعد، وسعد ابن خال حمزة. - قال أبو جعفر: فلما أتى اليوم الثالث، جمعهم عبد الرحمن، واجتمع الناس كافة، فقال عبد الرحمن: أيها الناس، أشيروا على في هذين الرجلين! فقال عمار بن ياسر:
إن أردت ألا يختلف الناس، فبايع عليا عليه السلام، فقال المقداد: صدق عمار، وإن بايعت عليا سمعنا وأطعنا، فقال عبد الله بن أبي سرح: إن أردت ألا يختلف قريش،