مستأخرا بما أكره، أشرت عليك عند مرض رسول الله صلى الله عليه أن تسأله عن هذا الامر فيمن هو، فأبيت، وأشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة (1) فأبيت، وقد أشرت عليك حين سماك عمر في الشورى اليوم، أن ترفع نفسك عنها، ولا تدخل معهم فيها، فأبيت، فاحفظ عنى واحدة، كلما عرض عليك القوم الامر فقل: لا، إلا أن يولوك.
واعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الامر حتى يقوم لك به غيرك، وأيم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير، فقال عليه السلام: أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، وليحدثن البدع والاحداث، ولئن بقي لأذكرنك، وإن قتل أو مات ليتداولنها بنو أمية بينهم، وإن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون، ثم تمثل:
حلفت برب الراقصات عشية * غدون خفافا يبتدرن المحصبا (2) ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة * نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا.
قال: ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري، فكره مكانه، فقال أبو طلحة لا نزاع أبا حسن، فلما مات عمر، ودفن وخلوا بأنفسهم للمشاورة في الامر، وقام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت، جاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، فجلسا بالباب، فحصبهما سعد وأقامهما، وقال: إنما تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في أصحاب الشورى.
فتنافس القوم في الامر وكثر بينهم الكلام، فقال أبو طلحة: أنا كنت لان تدافعوها أخوف منى عليكم أن تنافسوها! ألا والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي وقفت لكم، فاصنعوا ما بدا لكم!
قال: ثم إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص: إني قد كرهتها، وسأخلع نفسي منها، لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحل ما رأيت