على سبيل الطلب وسببه فلم يعرف لقولهم علة إلا الخديعة، ولو وجب رفع السيف عنهم متى دعوا إلى كتاب الله لم يقم بهذا دين، ولم يغلب فاسق لأنه متى دعا إلى الكتاب عند شدة الحرب ومخافة الظفر به وجبت إجابته، فإذا حوكم فأبى بعد الحكومة، ثم دعا إلى المحاربة فالت به الحرب أيضا إلى مثل حاله الأولى، فدعا إلى حكم الكتاب ثانية وجب أيضا إجابته والكف عنه وإن كانت إجابته غير جائزة بعد الحكومة لقيام الحجة والبيان وكان / 51 / قوله: " قد رضيت بحكم الكتاب " قولا مردودا دون الإنابة والرجوع فكذلك حكمه في حالة الأولى، أن إجابته لا يجوز لأن الحجة قد قامت والبيان قد وجب، وهم لم يستحلوا في البدء قتال معاوية حتى أقام عليه الحجة وعرفوا معاندته وتعمده للخطأ وهم القائلون في البدء: إنما جعل [معاوية] الطلب بدم عثمان علة وسببا للفتنة والتمويه على الضعفة.
فإن قالوا: فنرى إجابة علي له خطأ عندكم.
قلنا: ذلك رأيتموه بعين الظن والشك دون اليقين والعلم لأن علي بن أبي طالب لم يجب القوم لطلبهم (1) ولا لأنهم دعوا إلى حكم الكتاب، وإنما أجابهم لعلة انتشار أصحابه عليه واختلاف كلمتهم.
فإن قالوا: أوليس الذي كان من أصحابه خطأ عنده مع من دفع الحرب وطلب الموادعة؟.
قلنا: نعم. فإن قالوا: فكأنكم قلتم: أجابهم إلى خطأ من أجل خطأ آخر حدث في عسكره.
قلنا لهم: إن أصحابه وإن كانوا قد أخطأوا، و [لكن] لم يكن خطأهم بالتعمد منهم، وإنما كان خطأهم لشبهة دخلت، وشك وجب، وقد كانوا أصحاب دين وورع فلم يكونوا عندهم في شكهم أقل من أهل الشام في بغيهم، ولم يكونوا في خطائهم على