غير التعمد أكثر من خطأ معاوية على التعمد، وكان ترك القتال واستنقاذ أصحابه من هذه الفتنة أمثل، ومناظرتهم لإحيائهم وكشف الحق لهم أصوب عنده، فوادع القوم واشتغل بمناظرة أصحابه، وإلا فقد علم أن هذه من القوم خديعة، وإنما قاتلهم (1) ليدينوا بحكم الكتاب، لا ليدعوا إليه، والدينونة بحكم الله هو أن يفيئوا إلى أمر الله وقال لهم رضي الله عنه: وإنما قاتلناهم لأنهم عصوا الله فيما أمر [ه] ونسوا عهده ونبذوه وراء ظهورهم، فامضوا على حقكم وصدقكم، فإنهم غير الحق يريدون (2).
فلما أبوا عليه وتمكن منهم الشك، واعتقدوه دينا يدعون إليه، وإن عليا [لو] قاتلهم في هذه الحال كان حكمه حكمهم في الظلم والبغي [لما] رأى أن الاشتغال بمناظرة أصحابه أوجب.
ألا ترون أنه لما ناظر أيضا الخوارج فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا [ما] استخار الله في قتالهم ومحاربتهم، ولم يلتفت إلى قولهم: " لا حكم إلا الله ". وقال: كلمة حق يراد بها باطل.
وشك الخوارج أكثر في الشبهة، ومعاوية وعمرو عنده على يقين ومعرفة لما هم عليه من الباطل والبغي، لأن معاوية إنما اعتل بطلب دم عثمان وطلبه ليس هو إلى معاوية، وإنما يطلب بدمه أولياؤه وهم ولده، وليس لهم أن يطلبوا حقهم بوضع الحرب ونصبها، لأن طلب الحقوق على غير هذا السبيل يكون، وإنما يكون بالتقدم إلى الإمام بالإجلال والتعظيم.
فإن قالوا: إن حقهم الذي ادعوه إنما ادعوه على الإمام.
قلنا: إذا كانت دعواهم على غير الإمام لا تقبل فهي على الإمام الذي قد وجبت عدالته وطهارته ونزاهته أولى أن ترد [وا] عليهم أن يأتوا الإمام حتى ينصفهم من نفسه بمحضر