الاستقامة في أمره (و) أو صيك (اتباع) أي باتباع (سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون) بكسر الدال أي ابتدع المبتدعون.
والحاصل أنه أوصاه بأمور أربعة: أن يتقي الله تعالى، وأن يقتصد أي يتوسط بين الإفراط والتفريط في أمر الله أي فيما أمره الله تعالى لا يزيد على ذلك ولا ينقص منه، وأن يستقيم فيما أمره الله تعالى لا يرغب عنه إلى اليمين ولا إلى اليسار، وأن يتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وطريقته، وأن يترك ما ابتدعه المبتدعون (بعدما جرت به سنته وكفوا مؤنته) ظرف لأحدث، وقوله كفوا بصيغة الماضي المجهول من الكفاية، والمؤنة الثقل يقال كفى فلانا مؤنته أي قام بها دونه فأغناه عن القيام بها.
فمعنى كفوا مؤنته أي كفاهم الله تعالى مؤنة ما أحدثوا أي أغناهم الله تعالى عن أن يحملوا على ظهورهم ثقل الإحداث والابتداع، فإنه تعالى قد أكمل لعباده دينهم وأتم عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام دينا فلم يترك إليهم حاجة للعباد في أن يحدثوا لهم في دينهم أي يزيدوا عليه شيئا أو ينقصوا منه شيئا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " شر الأمور محدثاتها " (فعليك) أيها المخاطب (بلزوم السنة) أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته (فإنها) أي السنة أي لزومها (لك بإذن الله عصمة) من الضلالة والمهلكات وعذاب الله تعالى ونقمته (ثم اعلم) أيها المخاطب (أنه لم يبتدع الناس بدعه إلا قد مضى) في الكتاب أو السنة (قبلها) أي قبل تلك البدعة (ما هو دليل عليها) أي على تلك البدعة أي على أنها بدعة وضلالة (أو) مضى في الكتاب أو السنة قبلها ما هو (عبرة فيها) أي في تلك البدعة أي في أنها بدعة وضلالة.
والدليل على ذلك ما ذكره بقوله (فإن السنة إنما سنها) أي وضعها (من) هو الله تعالى، أو النبي صلى الله عليه وسلم (قد علم ما في خلافها) أي خلاف السنة أي البدعة (ولم يقل ابن كثير) هو محمد أحد شيوخ المؤلف في هذا الحديث لفظ (من قد علم) وإنما قاله الربيع وهناد، وأما محمد بن كثير فقال مكانه لفظا آخر بمعناه ولم يذكر المؤلف ذلك اللفظ والله أعلم (من الخطأ والزلل والحمق والتعمق) بيان لما في خلافها، فإذا كانت السنة إنما سنها ووضعها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق وهو الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يترك بيان ما في خلافها في كتابه أو سنة نبيه صلى الله غليه وسلم هذا مما لا يصح. والتعمق المبالغة في الأمر.