(فإنهم) أي السلف (هم السابقون) إلى الهدى علة للجواب المحذوف قائمة مقامه. ولا يجوز أن يكون هذا جوابا للشرط، فإن كون السلف هم السابقين متحقق المضي والجزاء لا يكون إلا مستقبلا (فقد تكلموا) أي السلف (فيه) أي فيما يحتاج إليه من أمر الدين (بما يكفي) للخلف (ووصفوا) أي بينوا السلف (منه) أي مما يحتاج إليه من أمر الدين (ما يشفي) للخلف (فما دونهم) أي فليس دون السلف الصالحين أن تحتهم أي تحت قصرهم (من مقصر) مصدر ميمي أو اسم ظرف، أي حبس أو محل حبس من قصر الشيء قصرا أي حبسه (وما فوقهم) أي وليس فوقهم أي فوق حسرهم (من محسر) مصدر ميمي أو اسم ظرف أيضا، أي كشف أو محل كشف من حسر الشيء حسرا أي كشفة، يقال حسر كمه من ذراعه أي كشفها، وحسرت الجارية خمارها من وجهها أي كشفته.
وحاصله أن السلف الصالحين قد حبسوا أنفسهم عن كشف ما لم يحتج إلى كشفه من أمر الدين حبسا لا مزيد عليه، وكذلك كشفوا ما احتيج إلى كشفه من أمر الدين كشفا لا مزيد عليه (وقد قصر) من التقصير (قوم دونهم) أي دون قصر السلف الصالحين، أي قصروا قصرا أزيد من قصرهم (فجفوا) أي لم يلزموا مكانهم الواجب قيامهم فيه، من جفا جفاء إذا لم يلزم مكانه، أي انحدروا وانحطوا: من علو إلى سفل بهذا الفعل وهو زيادة القصر (وطمح) أي ارتفع من طمح بصره إذا ارتفع وكل مرتفع طامح (عنهم) أي السلف (أقوام) أي ارتفعوا عنهم في الكشف، أي كشفوا كشفا أزيد من كشفهم (فغلوا) في الكشف أي شددوا حتى جاوزوا فيه الحد، فهؤلاء قد أفرطوا وأسرفوا في الكشف كما أن أولئك قد فرطوا وقتروا غير فيه (وإنهم) أي السلف (بين ذلك) أي بين القصر والطمح أحمد أي بين الإفراط والتفريط (لعلى هدى مستقيم) يعني أن السلف لعلى طريق مستقيم، وهو الاقتصاد والتوسط بين الإفراط والتفريط، ليسوا بمفرطين كالقوم القاصرين دونهم ولا بمفرطين، كالأقوام بعد الطامحين يقول عنهم.
(كتبت تسأل) أيها المخاطب (عن الإقرار بالقدر) هل هو سنة أو بدعة (فعلى الخبير) أي العارف بخبره (بإذن الله) تعالى (وقعت) أي سألت بإذن الله تعالى عن ذلك الإقرار من هو عارف بخبر ذلك الإقرار، يريد بذلك نفسه (ما أعلم ما أحدث الناس) مفعول أول لأعلم (من محدثة) بيان لما أحدثه الناس (ولا ابتدعوا من بدعة) عطف تفسير على أحدث الناس من محدثة (هي)