بكتاب الله تلاعبا شديدا ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شئ * (ابتغاء الفتنة) * أي طلبا منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبس عليهم وإفساد ذوات بينهم لا تحريا للحق * (وابتغاء تأويله) * أي تفسيره على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة. قال الزجاج:
المعنى أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله * (وما يعلم تأويله إلا الله) * يعني تأويل المتشابه، وقيل لا يعلم انقضاء ملك هذه الأمة إلا الله تعالى لأن انقضاء ملكها مع قيام الساعة ولا يعلم ذلك إلا الله. وقيل يجوز أن يكون للقران تأويل استأثره الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، كعلم قيام الساعة ووقت طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم وعلم الحروف المقطعة وأشباه ذلك مما استأثر الله بعلمه، فالإيمان به واجب وحقائق علومه مفوضة إلى الله تعالى، وهذا قول أكثر المفسرين، وهو مذهب عبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية عنه وأبي بن كعب وعائشة وأكثر التابعين فعلى هذا القول تم الكلام عند قوله * (إلا الله) * فيوقف عليه قاله الخازن * (والراسخون في العلم) * أي الثابتون في العلم وهم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في علمهم شك * (يقولون آمنا به كل من عند ربنا) * يعني المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا منه وما لم نعلم، ونحن معتمدون في المتشابه بالإيمان به ونكل معرفته إلى الله تعالى وفي المحكم يجب علينا الإيمان به والعمل بمقتضاه * (وما يذكر إلا أولوا الألباب) * أي وما يتعظ بما في القرآن إلا ذوو العقول، وهذا ثناء من الله تعالى على الذين قالوا آمنا به كل من عند ربنا.
وقال النووي: اختلف المفسرون والأصوليون وغيرهم في المحكم والمتشابه اختلافا كثيرا. قال الغزالي في المستصفى: الصحيح أن المحكم يرجع إلى معنيين أحدهما المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال واحتمال، والمتشابه ما يتعارض فيه الاحتمال، والثاني أن المحكم ما انتظم ترتيبه مفيدا إما ظاهرا وإما بتأويل، وأما المتشابه فالأسماء المشتركة كالقرء فإنه متردد بين الحيض والطهر انتهى ملخصا.
يتبعون ما تشابه منه أي من الكتاب يعني يبحثون في آيات المتشابهة لطلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم أخبرنا (فأولئك الذين سمى الله) كلا مفعوليه محذوفان أي سماهم الله أهل الزيغ، كذا قال ابن الملك في المبارق (فاحذروهم) يعني لا تجالسوهم ولا تكالموهم فإنهم أهل الزيغ والبدع. وفي الصحيحين عن عائشة قالت: " تلا رسول الله لله صلى الله عليه وسلم * (هو الذي أنزل عليك الكتاب - إلى قوله - أولو الألباب) * قالت: قال إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم " وفي لفظ " فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك سماهم الله فاحذروهم " هذا لفظ البخاري.
ولفظ ابن جرير وغيره " فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم.