قدر أربع أصابع فما يمنع من الجواز إذا كان ذلك المقدار مفرقا كما في الثوب المختلط. قال ابن دقيق العيد: وهو قياس في معنى الأصل لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة لجميع الثوب فيكون المنع من لبس الحرير شاملا للخالص والمختلط وبعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة، ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة. واستدل ابن العربي للجواز أيضا بأن النهي عن الحرير حقيلة في الخالص والإذن في القطن ونحوه صريح.
فإذا خلطا بحيث لا يسمى حريرا بحيث لا يتناوله الاسم ولا تشمله علة التحريم خرج عن الممنوع فجاز.
ومن أدلة الجمهور أنه ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة كما مر، والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره. وفيه أن هذا أحد تفاسير الخز، وقد سلف الاختلاف في تفسيره فما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه الصحابة كان من المخلوط بالحرير لا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير، كذا قرر الحافظ. قلت:
قال في النهاية ما معناه إن الخز الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوط من صوف وحرير ولكن قد ظهر لك مما سلف أن الخز حرام وأنه لا يثبت من لبس بعض الصحابة إباحته فما لم يتحقق أن لبس الخز مباح لا يصح الاستدلال بمجرد لبس بعض الصحابة إياه على إباحة لبس ما يخالطه الحرير.
فإن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلة السيراء " إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة " كما مر في حديث عمر وقد رأى علي الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم حين أتاه لابسا لها كما سلف في حديث علي، فهذان الحديثان يدلان على تحريم المختلط، لأن السيراء عند أهل اللغة هي التي يخالطها الحرير.
قلت: قال الحافظ الذي يتبين أن السيراء قد تكون حريرا صرفا وقد تكون غير محض، فالتي في قصة عمر جاء التصريح بأنها كانت من حرير محض، ولهذا وقع في حديثه " إنما يلبس هذه من لا خلاق له " والتي في قصة علي لم تكن حريرا صرفا، لما روى ابن أبي شيبة عن علي قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها أو لحمتها فأرسل بها إلي فقلت ما أصنع بها ألبسها قال لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم قال ولم يقع في قصة علي وعيد على لبسها كما وقع في قصة عمر، بل فيه لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي. قال ولا ريب أن ترك لبس ما خالطه الحرير أولى من لبسه عند من يقول بجوازه انتهى كلام الحافظ ملخصا.
قال المنذري: في إسناده خصيف بن عبد الرحمن، وقد ضعفه غير واحد انتهى كلام المنذري.