وفيه شائبة تعليل لما قبله (ونسكي) أي ديني وقيل عبادتي أو تقربي أو حجي (ومحياي ومماتي) أي حياتي وموتي، والجمهور على فتح الياء الآخرة في محياي وقرأ بإسكانها (وبذلك أمرت) أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولا واعتقادا (وأنا أول المسلمين) قال الشافعي لأنه صلى الله عليه وسلم كان أول مسلمي هذه الأمة، وفي رواية لمسلم وأنا من المسلمين (اللهم) أي يا الله والميم بدل عن حرف النداء ولذا لا يجمع بينهما إلا في الشعر (أنت الملك) أي القادر على كل شئ المالك الحقيقي لجميع المخلوقات (وأنا عبدك) أي معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في (ظلمت نفسي) أي اعترفت بالتقصير، قدمه على سؤال المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) (واهدني لأحسن الأخلاق) أي أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق بها (واصرف عني سيئها) أي قبيحها (لبيك) قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، يقال لب بالمكان لبا وألب إلبابا أي أقام به واصل لبيك لبين حذفت النون للإضافة (وسعديك) قال الأزهري وغيره. معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة (والخير كله في يديك والشر ليس إليك) قال الخطابي وغيره فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب. وأما قوله والشر ليس إليك فمما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال، أحدها معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم والثاني حكى الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضا معناه لا يضاف إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا وإن كان خالق كل شئ ورب كل شئ وحينئذ يدخل الشر في العموم. والثالث معناه الشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح. والرابع معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين. والخامس حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو ضعوه معهم.
(٣٢٩)