مشروعية القطع في كل ما يتمول قياسا واستثنى الحنفية ما يسرع إليه الفساد وما أصله الإباحة كالحجارة واللبن والخشب والملح والتراب والكلا والطير وفي رواية عن الحنابلة والراجح عندهم في مثل السرجين القطع تفريعا على جواز بيعه وفي هذا تفاريع أخرى محل بسطها كتب الفقه وبالله التوفيق الحديث الثالث حديث أبي هريرة في لعن السارق يسرق البيضة فيقطع ختم به الباب إشارة إلى أن طريق الجمع بين الاخبار أن يجعل حديث عمرة عن عائشة أصلا فيقطع في ربع دينار فصاعدا وكذا فيما بلغت قيمته ذلك فكأنه قال المراد بالبيضة ما يبلغ قيمتها ربع دينار فصاعدا وكذا الحبل ففيه إيماء إلى ترجيح ما سبق من التأويل الذي نقله الأعمش وقد تقدم البحث فيه (قوله باب توبة السارق) أي هل تفيده في رفع اسم الفسق عنه حتى تقبل شهادته أو لا وقد وقع في آخر هذا الباب قال أبو عبد الله إذا تاب السارق وقطعت يده قبلت شهادته وكذلك كل الحدود إذا تاب أصحابها قبلت شهادتهم وهو في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده وأبو عبد الله هو البخاري المصنف وقد تقدمت هذه المسألة في الشهادات فيما يتعلق في القاذف والسارق في ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال يحتمل أن يسقط كل حق لله بالتوبة قال وجزم به في كتاب الحدود وروى الربيع عنه أن حد الزنا لا يسقط وعن الليث والحسن لا يسقط شئ من الحدود أبدا قال وهو قول مالك عن الحنفية يسقط إلا الشرب وقال الطحاوي ولا يسقط إلا قطع الطريق لورود النص فيه والله أعلم وذكر في الباب حديث عائشة في قصة التي سرقت مختصرا ووقع في آخره وتابت وحسنت توبتها وقد تقدم شرحه مستوفى قبيل هذا ووجه مناسبته للترجمة وصف التوبة بالحسن فان ذلك يقتضي أن هذا الوصف يثبت للتائب المذكور فيعود لحالته التي كان عليها وحديث عبادة بن الصامت في البيعة وفيه ذكر السرقة وفي آخره فمن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور ووجه الدلالة منه أن الذي أقيم عليه الحد وصف بالتطهر فإذا انضم إلى ذلك أنه تاب فإنه يعود إلى ما كان عليه قبل ذلك فتضمن ذلك قبول شهادته أيضا والله أعلم (قوله كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة) كذا هذه الترجمة ثبتت للجميع هنا وفي كونها في هذا الموضع إشكال وأظنها مما انقلب على الذين نسخوا كتاب البخاري من المسودة والذي يظهر لي أن محلها بين كتاب الديات وبين استتابة المرتدين وذلك أنها تخللت بين أبواب الحدود فان المصنف ترجم كتاب الحدود وصدره بحديث لا يزني الزاني وهو مؤمن وفيه ذكر السرقة وشرب الخمر ثم بدأ بما يتعلق بحد الخمر في أبواب ثم بالسرقة كذلك فالذي يليق أن يثلث بأبواب الزنا على وفق ما جاء في الحديث الذي صدر به ثم بعد ذلك إما أن يقدم كتاب المحاربين وإما أن يؤخره والأولى أن يؤخره ليعقبه باب استتابة المرتدين فإنه يليق أن يكون من جملة أبوابه ولم أر من نبه على ذلك إلا الكرماني فإنه تعرض لشئ من ذلك في باب إثم الزناة ولم يستوفه كما سأنبه عليه ووقع في رواية النسفي زيادة قد يرتفع بها الاشكال وذلك أنه قال بعد قوله من أهل الكفر والردة فزاد ومن يجب عليه الحد في الزنا فإن كان محفوظا فكأنه ضم حد الزنا إلى المحاربين لافظائه إلى القتل في بعض صوره بخلاف الشرب والسرقة
(٩٧)