فرأى عمر فعله بموافقة علي ثم رجع علي ووقف عندما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ووافقه عثمان على ذلك وأما قول علي وكل سنة فمعناه أن الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصار إليه أبو بكر والوصول إلى الثمانين سنة عمر ردعا للشاربين الذين احتقروا العقوبة الأولى ووافقهم من ذكر في زمانه للمعنى الذي تقدم وسوغ لهم ذلك إما اعتقادهم جواز القياس في الحدود على رأي من يجعل الجميع حدا وإما أنهم جعلوا الزيادة تعزيرا بناء على جواز أن يبلغ بالتعزير قدر الحد ولعلهم لم يبلغهم الخبر الآتي في باب التعزير وقد تمسك بذلك من قال بجواز القياس في الحدود وادعى إجماع الصحابة وهي دعوى ضعيفة لقيام الاحتمال وقد شنع ابن حزم على الحنفية في قولهم أن القياس لا يدخل في الحدود والكفارات مع جزم الطحاوي ومن وافقه منهم بأن حد الخمر وقع بالقياس على حد القذف وبه تمسك من قال بالجواز من المالكية والشافعية واحتج من منع ذلك بأن الحدود والكفارات شرعت بحسب المصالح وقد تشترك أشياء مختلفة وتختلف أشياء متساوية فلا سبيل إلى علم ذلك إلا بالنص وأجابوا عما وقع في زمن عمر بأنه لا يلزم من كونه جلد قدر حد القذف أن يكون جعل الجميع حدا بل الذي فعلوه محمول على أنهم لم يبلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حد فيه أربعين إذ لو بلغهم لما جاوزوه كما لم يجاوزوا غيره من الحدود المنصوصة وقد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعود عليه بالابطال فرجح أن الزيادة كانت تعزيرا ويؤيده ما أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث بسند صحيح عن أبي رافع عن عمر أتى بشارب فقال لمطيع بن الأسود إذا أصبحت غدا فاضربه فجاء عمر فوجده يضربه ضربا شديدا فقال كم ضربته قال ستين قال اقتص عنه بعشرين قال أبو عبيد يعني اجعل شدة ضربك له قصاصا بالعشرين التي بقيت من الثمانين قال أبو عبيد فيؤخذ من هذا الحديث أن ضرب الشارب لا يكون شديدا وأن لا يضرب في حال السكر لقوله إذا أصبحت فأضربه قال البيهقي ويؤخذ منه أن الزيادة على الأربعين ليست بحد إذا لو كانت حدا لما جاز النقص منه بشدة الضرب إذ لا قائل به وقال صاحب المفهم ما ملخصه بعد أن ساق الأحاديث الماضية هذا كله يدل على أن الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان أدبا وتعزيرا ولذلك قال علي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه فلذلك ساغ للصحابة الاجتهاد فيه فألحقوه بأخف الحدود وهذا قول طائفة من علمائنا ويرد عليهم قول على جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وكذا وقوع الأربعين في عهد أبي بكر وفي خلافة عمر أولا أيضا ثم في خلافة عثمان فلولا أنه حد لاختلف التقدير قيام الاجماع على أن في الخمر الحد وإن وقع الاختلاف في الأربعين والثمانين قال والجواب أن النقل عن الصحابة اختلف في التحديد والتقدير ولا بد من الجمع بين مختلف أقوالهم وطريقه أنهم فهموا أن الذي وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم كان أدبا من أصل ما شاهدوه من اختلاف الحال فلما كثر الاقدام على الشرب ألحقوه بأخف الحدود المذكورة في القرآن وقوى ذلك عندهم وجود الافتراء من السكر فأثبتوها حدا ولهذا أطلق على أن عمر جلد ثمانين وهى سنة ثم ظهر لعلي أن الاقتصار على الأربعين أولى مخافة أن يموت فتجب فيه الدية ومراده بذلك الثمانون وبهذا يجمع بين قوله لم يسنه وبين تصريحه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين قال وغاية هذا البحث أن الضرب في الخمر
(٦٤)