الحد في الخمر واختلفوا في تقديره فذهب الجمهور إلى الثمانين وقال الشافعي في المشهور عنه وأحمد في رواية وأبو ثور وداود أربعين وتبعه على نقل الاجماع بن دقيق العيد والنووي ومن تبعهما وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بأحاديث الباب فأنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب وأصرحها حديث أنس ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه وقد قال عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج ومعمر سئل بن شهاب كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر فقال لم يكن فرض فيها حدا كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم ارفعوا وورد أنه لم يضربه أصلا وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدا قال ابن عباس وشرب رجل فسكر فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يأمر فيه بشئ وأخرج الطبري من وجه أخر عن بن عباس ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرا ولقد حجرته من الليل سكران فقال ليقم إليه رجل فيأخذ بيده حتى يرده إلى رحله والجواب أن الاجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد لان أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران فصيره حدا وأستمر عليه وكذا استمر من بعده وإن اختلفوا في العدد وجمع القرطبي بين الاخبار بأنه لم يكن أولا في شرب الخمر حد وعلى ذلك يحمل حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس ثم شرع فيه التعزير على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها ثم شرع الحد ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحا مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين ومن ثم توخى أبو بكر ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقر عليه الامر ثم رأى عمر ومن رافقه الزيادة على الأربعين إما حدا بطريق الاستنباط وإما تعزيرا (قلت) وبقي ما ورد في الحديث أنه إن شرب فحد ثلاث مرات ثم شرب قتل في الرابعة وفي رواية في الخامسة وهو حديث مخرج بالسنن من عدة طرق أسانيدها قوية ونقل الترمذي الاجماع على ترك القتل وهو محمول على من بعد من نقل غيره عنه قول به كعبد الله بن عمرو فيما أخرجه أحمد والحسن البصري وبعض أهل الظاهر وبالغ النووي فقال هو قول باطل مخالف لاجماع الصحابة فمن بعدهم والحديث أو أرد فيه منسوخ إما بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث وأما بأن الاجماع دل على نسخه (قلت) بل دليل النسخ منصوص وهو ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري عن قبيصة في هذه القصة قال فأتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به قد شرب فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده فرفع القتل وكانت رخصة وسيأتي بسط ذلك في الباب الذي يليه واحتج من قال إن حده ثمانون بالاجماع في عهد عمر حيث وافقه على ذلك كبار الصحابة وتعقب بأن عليا أشار على عمر بذلك ثم رجع علي عن ذلك واقتصر على الأربعين لأنها القدر الذي اتفقوا عليه في زمن أبي بكر مستندين إلى تقدير ما فعل في بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأما الذي أشار به فقد تبين من سياق قصته أنه أشار بذلك ردعا للذين انهمكوا لان في بعض طرق القصة كما تقدم انهم احتقروا العقوبة وبهذا تمسك الشافعية فقالوا أقل ما في حد الخمر أربعون وتجوز الزيادة فيه إلى الثمانين على سبيل التعزير ولا يجاوز الثمانين واستندوا إلى أن التعزير إلى رأي الامام
(٦٣)