تعزير يمنع من الزيادة على غايته وهي مختلف فيها قال وحاصل ما وقع من استنباط الصحابة أنهم أقاموا السكر مقام القذف لأنه لا يخلو عنه غالبا فأعطوه حكمه وهو من أقوى حجج القائلين بالقياس فقد اشتهرت هذه القصة ولم ينكرها في ذلك الزمان منكر قال وقد اعترض بعض أهل النظر بأنه إن ساغ إلحاق حد السكر لحد القذف فليحكم له بحكم الزنا والقتل لأنهما مظنته وليقتصروا في الثمانين على من سكر لا على من اقتصر على الشرب ولم يسكر قال وجوابه أن المظنة موجودة غالبا في القذف نادرة في الزنا والقتل والوجود يحقق ذلك وانما أقاموا الحد على الشارب وان لم يسكر مبالغة في الردع لان القليل يدعو إلى الكثير والكثير يسكر غالبا وهو المظنة ويؤيده أنه اتفقوا على إقامة الحد في الزنا بمجرد الايلاج وان لم يتلذذ ولا أنزل ولا أكمل (قلت) والذي تحصل لنا من الآراء في حد الخمر ستة أقوال الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيها حدا معلوما بل كان يقتصر في ضرب الشارب على ما يليق به قال ابن المنذر قال بعض أهل العلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمرهم بضربه وتبكيته فدل على أن لا حد في السكر بل فيه التنكيل والتبكيت ولو كان ذلك على سبيل الحد لبينه بيانا واضحا قال فلما كثر الشراب في عهد عمر استشار الصحابة ولو كان عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ محدود لما تجاوزوه كما لم يتجاوزوا حد القذف ولو كثر القاذفون وبالغوا في الفحش فلما اقتضى رأيهم أن يجعلوه كحد القذف واستدل علي بما ذكر من أن في تعاطيه ما يؤدي إلى وجود القذف غالبا أو إلى ما يشبه القذف ثم رجع إلى الوقوف عند تقدير ما وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دل على صحة ما قلناه لان الروايات في التحديد بأربعين اختلفت عن أنس وكذا عن علي فالأولى أن لا يتجاوز أقل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربه لأنه المحقق سواء كان ذلك حدا أو تعزيرا الثاني أن أن الحد فيه أربعون ولا تجوز الزيادة عليها الثالث مثله لكن للامام أن يبلغ به ثمانين وهل تكون الزيادة من تمام الحد أو تعزيرا قولان الرابع أنه ثمانون ولا تجوز الزيادة عليه الخامس كذلك وتجوز الزيادة تعزيرا وعلى الأقوال كلها هل يتعين الجلد بالسوط أو يتعين بما عداه أو يجوز بكل من ذلك أقوال السادس إن شرب فجلد ثلاث مرات فعاد الرابعة وجب قتله وقيل أن شرب أربعا فعاد الخامسة وجب قتله وهذا السادس في الطرف الابعد من القول الأول وكلاهما شاذ وأظن الأول رأي البخاري فإنه لم يترجم بالعدد أصلا ولا أخرج هنا في العدد الصريح شيئا مرفوعا وتمسك من قال لا يزاد على الأربعين بأن أبا بكر تحرى ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فوجده أربعين فعمل به ولا يعلم له في زمنه مخالف فإن كان السكوت إجماعا فهذا الاجماع سابق على ما وقع في عهد عمر والتمسك به أولى لان مستنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم رجع إليه علي ففعله في زمن عثمان بحضرته وبحضرة من كان عنده من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر الذي باشر ذلك والحسن بن علي فإن كان السكوت إجماعا فهذا هو الأخير فينبغي ترجيحه وتمسك من قال بجواز بما صنع في عهد عمر من الزيادة ومنهم من أجاب عن الأربعين بأن المضروب كان عبدا وهو بعيد فاحتمل الامرين أن يكون حدا أو تعزيرا وتمسك من قال بجواز الزيادة على الثمانين تعزيرا بما تقدم في الصيام أن عمر حد الشارب في رمضان ثم نفاه إلى الشام وبما أخرجه بن أبي شيبة أن عليا جلد النجاشي الشاعر
(٦٥)